تشبيها بواو الجمع (لا يَقُومُونَ) إذا بعثوا من قبورهم (١) (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) أى المصروع. وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع. والخبط الضرب على غير استواء كخبط العشواء ، فورد على ما كانوا يعتقدون. والمس : الجنون. ورجل ممسوس ، وهذا أيضاً من زعماتهم ، وأن الجنىَّ يمسه فيختلط عقله ، وكذلك جن الرجل : معناه ضربته الجنّ ، ورأيتهم لهم في الجن قصص وأخبار وعجائب ، وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات. فإن قلت : بم يتعلق قوله (مِنَ الْمَسِ)؟ قلت : بلا يقومون ، أى لا يقومون من المسّ الذي بهم إلا كما يقوم المصروع. ويجوز أن يتعلق بيقوم ، أى كما يقوم المصروع من جنونه. والمعنى أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين ، تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف. وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون ، إلا أكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين ، لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم ، فلا يقدرون على الإيفاض (ذلِكَ) العقاب بسبب قولهم (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا). فإن قلت : هلا قيل إنما الربا مثل البيع لأنّ الكلام في الربا لا في البيع (٢) ، فوجب أن يقال إنهم شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه ، وكانت شبهتهم
__________________
(١) قال محمود رحمه الله : «يعنى إذا بعثوا من قبورهم ... الخ» قال أحمد : قوله وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، أى كذباتهم وزخارفهم التي لا حقيقة لها ، كما يقال في الغول والعنقاء ونحو ذلك. وهذا القول على الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع ، فقد ورد «ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهلّ صارخا» وفي بعض الطرق «إلا طعن الشيطان في خاصرته ومن ذلك يستهل صارخا إلا مريم وابنها ، لقول أمها : إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» وقوله عليه السلام «التقطوا صبيانكم أول العشاء فانه وقت انتشار الشياطين ، أو لقد عوفيت ، إنها ساعة مخرجهم وفيها ينتشرون وفيها يكون الخبتة. قال شمر : كان في لسان مكحول لكنة ، وانما أراد الخبطة من الشيطان ، أى إصابة مس أو جنون. وقد ورد في حديث المفقود الذي اختطفته الشياطين وردته في زمنه عليه الصلاة والسلام أنه حدث عن شأنه معهم قال : فجاءني طائر كأنه جمل ، فتعثرنى ، فاحتملني على خافية من خوافيه ، إلى غير ذلك مما يطول الكتاب بذكره. واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة ، كما أخبر الشرع عنها. وإنما القدرية خصماء العلانية فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمونه مخالفا لقواعدهم ، من ذلك : السحر ، وخبطة الشيطان ، ومعظم أحوال الجن. وإن اعترفوا بشيء من ذلك ، فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه ظاهر الشرع ، في خبط طويل لهمفاحذرهم ، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
(٢) قال محمود : «إن قلت لم لم يقولوا : إنما الربا مثل البيع ... الخ» قال أحمد : وعندي وجه في الجواب عن السؤال الذي أورده غير ما ذكر ، وهو أنه متى كان المطلوب التسوية بين المحلين في ثبوت الحكم ، فللقائل أن يسوى بينهما طرداً ، فيقول مثلا : الربا مثل البيع ، وغرضه من ذلك أن يقول : والبيع حلال فالربا حلال. وله أن يسوى بينهما في العكس فيقول : البيع مثل الربا ، فلو كان الربا حراما كان البيع حراما ضرورة المماثلة. ونتيجته التي دلت قوة الكلام عليها أن يقول : ولما كان البيع حلالا اتفاقا غير حرام ، وجب أن يكون الربا مثله ، والأول على طريقة قياس الطرد ، والثاني على طريقة قياس العكس ، ومآلهما إلى مقصد واحد ، فلا حاجة على هذا التقرير ـ