فإن قلت : أخبرنى عن تأليف (ذلِكَ الْكِتابُ) مع (الم). قلت : إن جعلت (الم) اسما للسورة ففي التأليف وجوه : أن يكون (الم) مبتدأ ، و (ذلِكَ). مبتدأ ثانيا ، و (الْكِتابُ) خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ومعناه : أنّ ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل ، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص ، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتابا ، كما تقول : هو الرجل ، أى الكامل في الرجولية ، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال. وكما قال :
هُمّ الْقَوْمُ كلُّ الْقَوْمِ يا أُمَّ خَالِدِ (١)
وأن يكون الكتاب صفة. ومعناه : هو ذلك الكتاب الموعود ، وأن يكون (الم) خبر مبتدإ محذوف ، أى هذه الم ، ويكون ذلك خبرا ثانيا أو بدلا ، على أن الكتاب صفة ، وأن يكون : هذه الم جملة ، وذلك الكتاب جملة أخرى. وإن جعلت الم بمنزلة الصوت ، كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب ، أى ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل. أو الكتاب صفة والخبر ما بعده ، أو قدّر مبتدأ محذوف ، أى هو ـ يعنى المؤلف من هذه الحروف ـ ذلك الكتاب. وقرأ عبد الله : الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه. وتأليف هذا ظاهر.
__________________
ـ والإمرار : صيرورة الشيء مرا ، والاحلاء : صيرورته حلوا ، وجعل الطعم مراً ، وجعله حلواً ، ويروى زارية بدل عاتبة. والزاري : العائب ، يقال : زرى عليه يزرى إذا عاب عليه. وقوله ما ذا تحيون : استشعار للخطأ في الأمر بالتحية ورجوع عنه لأنه لا يجدى شيئا. و «من» بيان لما ذا ، وفيه معنى التحقير ، ونعمى : عطف على ضمير النصب ، والواو للحال ، أى والحال أن الدهر والعيش لم يتغير كل منهما إلى البؤس ، شبههما بما تصح منه الارادة على طريق الكناية ، فأسند لهما الهم تخييلا ، أو استعار الهم المشارفة والقرب تصريحا ، وشبههما بالمطعوم فأثبت لهما الإمرار ، أو استعاره لتكدرهما ونغصهما بجامع كراهية النفس لكل. وعلى الهجران : أى مع هجرانها ، أو لأحل هجرانى لها. وسقيا ، ورعيا : منصوبان على المصدرية ، أى سقاها الله ورعاها. وذلك إشارة إلى الإنسان أو الشخص وهي المراد ، ووصفها بما للذكر تعظيما لها وتفخيما لشأنها.
(١) وإن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم خالد |
للأشهب بن رميلة. وقيل لحريث بن مخفض. والذي : أصله الذين ، فحذفت النون تخفيفاً. وروى : وإن الألى ، وهو بمعنى الذين ، وهم المذكورون في أول الأبيات وهو :
ألم تر أنى بعد عمرو ومالك |
|
وعروة وابن الهول لست بخالد |
وحانت : أتى حين هلاكها ، وهو كناية عن الهلاك. ويقال : حان حينا : هلك ، وأحانه الله : أهلكه ؛ فهو حقيقة. وفلج ـ بالفتح ـ اسم موضع بطريق البصرة ، ودماؤهم : نفوسهم. وهم القوم كل القوم : أى هم المختصون بجميع صفات الرجال الحميدة دون غيرهم.