علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه. والإصر : العبء الذي يأصر حامله أى يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله ، استعير للتكليف الشاقّ ، من نحو قتل الأنفس ، وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير ذلك. وقرئ : آصاراً على الجمع. وفي قراءة أبىّ : ولا تحمل علينا بالتشديد. فإن قلت : أىّ فرق بين هذه التشديدة والتي في : (وَلا تُحَمِّلْنا)؟ قلت : هذه للمبالغة في حمل عليه ، وتلك لنقل حمله من مفعول واحد إلى مفعولين (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العقوبات النازلة بمن قبلنا ، طلبوا الإعفاء عن التكليفات الشاقة التي كلفها من قبلهم ، ثم عما نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها. وقيل : المراد به الشاقّ الذي لا يكاد يستطاع من التكليف. وهذا تكرير لقوله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً). (مَوْلانا) سيدنا ونحن عبيدك. أو ناصرنا. أو متولى أمورنا (فَانْصُرْنا) فمن حق المولى أن ينصر عبيده. أو فإنّ ذلك عادتك. أو فإنّ ذلك من أمورنا التي عليك توليها. وعن ابن عباس «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا بهذه الدعوات ، قيل له عند كل كلمة : قد فعلت» (١) وعنه عليه السلام «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (٢) وعنه عليه السلام «أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهنّ نبىٌّ قبلي» (٣) وعنه عليه السلام «أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل» (٤)
__________________
(١) أخرجه مسلم من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما نزلت هذه الآية (إن تبدوا ما في أنفسكم ـ الآية) قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم. فقال : قولوا : سمعنا وأطعنا ـ الحديث ، وفيه : قد فعلت. في مواضع ، وغفل الحاكم فاستدركه.
(٢) متفق عليه من حديث ابن مسعود. واختلف في معناه. فقيل : كفناه ، أجزأتاه عن قيام الليل كما في الذي قبله ، وقيل : كفتاه أجراً وفضلا ، وقيل : كفتاه من كل شيطان أو من كل آفة.
(٣) هذا طرف من حديث ، أوله عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعط منه أحد قبلي ، ولا يعطي منه أحد بعدي : أخرجه النسائي وأحمد والبزار وابن أبى شيبة وابن خزيمة وابن حبان من رواية أبى مالك الأشجعى عن ربعي بن خراش عن حذيفة ، وقد أخرجه مسلم ، لكن قال في الثالثة وذكر خصلة أخرى : فأبهمها ، وذكرها أصحاب المستخرجات وغيرهم من طريق شيخه بإسناده فيه ، وغفل الحاكم فذكر في فضائل القرآن في المستدرك : ان مسلما أخرج هذه الجملة ، ولعل مسلما إنما أبهمها للاختلاف على ربعي فيها ، فقد رواه أحمد وإسحاق من رواية جرير عن منصور عن ربعي عن خراش عن زيد بن ظبيان عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لكن تابع أبا مالك نعيم بن أبى هند ، أخرجه الطبراني في الأوسط في المحمدين منه من طريقه.
(٤) أخرجه ابن عدى من حديث ابن مسعود ، وفي إسناده الوليد بن عباد وهو مجهول عن أبان بن أبى عياش. وهو متروك.