أَقَامَتْ غَزَالةُ سُوقَ الضِّرَابِ |
|
لِأَهْلِ العِرَاقيْنِ حَولاً قَمِيطاً (١) |
لأنها إذا حوفظ عليها ، كانت كالشىء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات ويتنافس فيه المحصلون. وإذا عطلت وأضيعت ، كانت كالشىء الكاسد الذي لا يرغب فيه. أو التجلد والتشمر لأدائها. وأن لا يكون في مؤدّيها فتور عنها ولا توان ، من قولهم : قام بالأمر ، وقامت الحرب على ساقها. وفي ضدّه : قعد عن الأمر ، وتقاعد عنه ـ إذا تقاعس وتثبط ـ أو أداؤها ، فعبر عن الأداء بالإقامة ؛ لأنّ القيام بعض أركانها ، كما عبر عنه بالقنوت ـ والقنوت القيام ـ وبالركوع وبالسجود. وقالوا : سبح ، إذا صلى ؛ لوجود التسبيح فيها. (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ).
والصلاة : فعلة من صلى ، كالزكاة من زكى. وكتابتها بالواو على لفظ المفخم. وحقيقة صلى : حرّك الصلوين ؛ لأن المصلى يفعل ذلك في ركوعه وسجوده. ونظيره كفر اليهودي إذا طأطأ رأسه وانحنى عند تعظيم صاحبه ؛ لأنه ينثني على الكاذتين (٢) وهما الكافرتان. وقيل للداعي : مصلّ ، تشبيها في تخشعه بالراكع والساجد.
وإسناد الرزق إلى نفسه (٣) للإعلام بأنهم ينفقون الحلال (٤) الطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله ، ويسمى رزقا منه. وأدخل من التبعيضة صيانة لهم وكفا عن الإسراف والتبذير المنهي عنه. وقدّم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم ، كأنه قال : ويخصون بعض المال الحلال بالتصدّق به. وجائز أن يراد به الزكاة المفروضة ، لاقترانه بأخت الزكاة وشقيقتها وهي الصلاة
__________________
(١) لأيمن بن خزيم. وغزالة : امرأة شيب الخارجي ، قتله الحجاج فحاربته سنة كاملة ، فسوق الضراب : مجاز عن ميدان المحاربة ، أو شبه المطاعنة بالرماح والمضاربة بالسيوف بالأمتعة التي تباع وتشترى في السوق على سبيل المكنية والسوق تخييل. والعراقان : البصرة والكوفة. والقميط : التام نعت مؤكد ، ويقال : قمط الطائر أنثاه : سفدها. والقماط : حبل تشد به الأسرى والأخصاص ، فالمادة دالة على الاحاطة والضم.
(٢) قوله «على الكاذتين» في الصحاح : الكاذتان ما نشأ من اللحم في أعالى الفخذ اه (ع)
(٣) قال محمود رحمه الله : «أضاف الرزق إلى نفسه للاعلام بأنهم إنما ينفقون من الحلال الطلق ... الخ». قال أحمد رحمه الله : فهذه بدعة قدرية ، فإنهم يرون أن الله تعالى لا يرزق إلا الحلال ، وأما الحرام فالعبد يرزقه لنفسه حتى يقسمون الأرزاق قسمين : هذا لله بزعمهم ، وهذا لشركائه. وإذا أثبتوا خالقا غير الله ، فلا يأنفون عن إثبات رازق غيره. أما أهل السنة فلا خالق ولا رازق في عقدهم إلا الله سبحانه. تصديقا بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أيها القدرية.
(٤) قوله «بأنهم ينفقون الحلال» مبنى على أن الرزق مختص بالحلال ، وهو مذهب المعتزلة. وعند أهل السنة : الرزق أعم. (ع)