لوهب : إنى أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب. وقال : والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت أنّ الله سيعذبك ، وعن محمد بن كعب : لا يحل لأحد من العلماء أن يسكت على علمه (١) ولا يحل لجاهل أن يسكت على جهله حتى يسأل. وعن على رضى الله عنه. ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (٢). وقرئ : ليبيننه. ولا يكتمونه ، بالياء ، لأنهم غيب. وبالتاء ، على حكاية مخاطبتهم ، كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ)
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٨٨)
(لا تَحْسَبَنَ) خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأحد المفعولين (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) والثاني (بِمَفازَةٍ) وقوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد تقديره : لا تحسبنهم ، فلا تحسبنهم فائزين. وقرئ: لا تحسبن. فلا تحسبنهم ، بضم الباء على خطاب المؤمنين. ولا يحسبن. فلا يحسبنهم ، بالياء وفتح الباء فيهما ، على أنّ الفعل للرسول. وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأوّل وضمها في الثاني ، على أن الفعل للذين يفرحون ، والمفعول الأوّل محذوف على : لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة ، بمعنى : لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين ، وفلا يحسبنهم ، تأكيد. ومعنى (بِما أُوتُوا) بما فعلوا. وأتى وجاء ، يستعملان بمعنى فعل. قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ، (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا). ويدل عليه قراءة أبىّ : يفرحون بما فعلوا. وقرئ : آتوا ، بمعنى أعطوا. وعن على رضى الله عنه : بما أوتوا. ومعنى (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) بمنجاة منه. روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه (٣) ، وأروه أنهم قد صدقوه ، واستحمدوا إليه ، وفرحوا بما فعلوا ، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم : أى : لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا ـ من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ـ ناجين من العذاب. ومعنى (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا)
__________________
(١) قوله «على علمه» لعل بعده سقطا تقديره «حتى يعلم». (ع)
(٢) رواه الحرث بن أبى أسامة أخبرنا عبد الوهاب الخفافى حدثنا الحسن بن عمارة حدثني الحكم بن عيينة عن يحيى بن الجزار : سمعت عليا يقول فذكره والحسن متروك ، ومن طريق الحرث رواه الثعلبي ورويناه في جزء الذراع قال : كتب الحارث بن أسامة فذكره ، وذكره ابن عبد البر في العلم. قال : ويروى عن على. وذكره صاحب الفردوس عن على. فكأنه وقف عليه مرفوعا.
(٣) متفق عليه من رواية حميد بن عبد الرحمن أن مروان قال لبوابه : يا رافع اذهب إلى ابن عباس فقل له لئن كان امرؤ منا فرح بما أوتى وحمد بما لم يفعل عذب لنعذبن جميعاً. فقال ابن عباس رضى الله عنهما : إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب ، أتاه اليهود فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه ... الحديث».