(فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) فقد أبلغت في إخزائه. وهو نظير قوله فقد فاز. ونحوه في كلامهم : من أدرك مرعى الصمان (١) فقد أدرك ، ومن سبق فلانا فقد سبق (وَما لِلظَّالِمِينَ) اللام إشارة إلى من يدخل النار وإعلام بأنّ من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها (٢) ، تقول : سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع ، لأنك وصفته بما يسمع ، أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره ، ولو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بد ، وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله. فإن قلت : فأىّ فائدة في الجمع بين المنادى وينادى؟ قلت : ذكر النداء مطلقاً ثم مقيداً بالإيمان تفخيما لشأن المنادى ؛ لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادى للإيمان. ونحوه قولك : مررت بهاد يهدى للإسلام. وذلك أنّ المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب ، أو لإطفاء النائرة ، أو لإغاثة المكروب ، أو لكفاية بعض النوازل ، أو لبعض المنافع ، وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق ويهدى لسداد الرأى وغير ذلك ؛ فإذا قلت : ينادى للإيمان ، ويهدى للإسلام ، فقد رفعت من شأن المنادى والهادي وفخمته. ويقال : دعاه لكذا وإلى كذا ، وندبه له وإليه ، وناداه له وإليه. ونحوه : هداه للطريق وإليه ، وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعاً ، والمنادى هو الرسول (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ، (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ). وعن محمد بن كعب : القرآن. (أَنْ آمِنُوا) أى آمنوا ، أو بأن آمنوا (ذُنُوبَنا) كبائرنا (سَيِّئاتِنا) صغائرنا (مَعَ الْأَبْرارِ) مخصوصين بصحبتهم ، معدودين في جملتهم. والأبرار : جمع برّ أو بارّ ، كرب وأرباب ، وصاحب وأصحاب (عَلى رُسُلِكَ) على هذه صلة للوعد ، كما في قولك : وعد الله الجنة على الطاعة. والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادى للإيمان وهو الرسول وقوله آمنا وهو التصديق ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف ، أى ما وعدتنا منزلا على رسلك ، أو محمولا على رسلك ، لأن الرسل محملون ذلك (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) وقيل : على ألسنة رسلك. والموعود هو الثواب. وقيل : النصرة على الأعداء. فإن قلت : كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد؟ قلت : معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد أو هو باب من اللجأ إلى الله والخضوع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك
__________________
(١) قوله «من أدرك مرعي الصمان» في الصحاح : موضع إلى جنب رمل عالج. وعالج : موضع بالبادية به رمل. (ع)
(٢) قوله «فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة ، فمن يدخل النار من المؤمنين يخرج بالشفاعة أو بالعفو ، كما حقق في محله. (ع)