عدمه ، فهلا قيل : فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث. وأى فائدة في قوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ)؟ قلت : معناه : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فحسب ، فلأمه الثلث مما ترك ، كما قال : (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين ، كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج ، لا ثلث ما ترك ، إلا عند ابن عباس. والمعنى : أن الأبوين إذا خلصا تقاسما الميراث : للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن قلت : ما العلة في أن كان لها ثلث ما بقي دون ثلث المال؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أنّ الزوج إنما استحق ما يسهم له بحق العقد لا بالقرابة ، فأشبه الوصية في قسمة ما وراءه. والثاني : أن الأب أقوى في الإرث من الأم ، بدليل أنه يضعف عليها إذا خلصا ويكون صاحب فرض وعصبة ، وجامعا بين الأمرين ، فلو ضرب لها الثلث كملا لأدى إلى حط نصيبه عن نصيبها. ألا ترى أن امرأة لو تركت زوجا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب ، حازت الأم سهمين والأب سهما واحدا ، فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الإخوة يحجبون الأم عن الثلث وإن كانوا لا يرثون مع الأب ، فيكون لها السدس وللأب خمسة الأسداس ، ويستوي في الحجب الاثنان فصاعدا إلا عند ابن عباس (١). وعنه أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم. فإن قلت : فكيف صحّ أن يتناول الإخوة الأخوين ، والجمع خلاف التثنية؟ قلت : الإخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية ، والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية ، وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق ، فدل بالإخوة عليه. وقرئ : فلإمّه ، بكسر الهمزة اتباعا للجرّة : ألا تراها لا تكسر في قوله (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً). (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها ، لا بما يليه وحده ، كأنه قيل قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها. وقرئ (يُوصِي بِها) بالتخفيف والتشديد. و (يُوصِي بِها) على البناء للمفعول مخففا : فإن قلت : ما معنى أو؟ قلت : معناها الإباحة : وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما ، قدم على قسمة الميراث ، كقولك : جالس الحسن أو ابن سيرين. فإن قلت : لم قدّمت الوصية على الدين (٢) والدين مقدم عليها في الشريعة؟ قلت : لما
__________________
(١) عاد كلامه. قال محمود : «ويستوي في حجب الأم الاثنان فصاعدا إلا عند ابن عباس ... الخ» قال أحمد : ولقد أحسن في هذا التقرير ما لم يحسن كثير من حذاق الأصوليين ، ويريد متلقى في تغاير وصفى الجمع والتثنية ، إذ الجمع يتناول الاثنين ويتناول أزيد منهما. ولك هذا. وأما التثنية فقاصرة على الاثنين فبينهما على هذا العموم والخصوص ، فكل تثنية جمع ، وليس كل جمع تثنية.
(٢) قال محمود : «إن قلت : لم قدمت الوصية على الدين ... الخ»؟ قال أحمد : الوصية على ضربين : لغير معين ، فلا يطالب بها إلا الامام إن عثر عليها. ولمعين ، فله المطالبة. ولكن يتباينان في القوة بين مطالبة رب الدين بدينه والموصى له بوصيته ، لأن رب الدين يطالب بحق مستقر في الذمة سبق له به الفضل على مديانه ، والموصى له إنما يطلب صدقة تفضل بها عليه الميت ، لا عن استحقاق سابق ، فاكتفى بما لرب الدين من القوة عن تقديمه في