(خَطِيئَةً) صغيرة (أَوْ إِثْماً) أو كبيرة (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) كما رمى طعمة زيداً (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً) لأنه بكسب الإثم «آثم» وبرمي البريء «باهت» فهو جامع بين الأمرين. وقرأ معاذ بن جبل رضى الله عنه : ومن يكسب ، بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(١١٣)
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) أى عصمته وألطافه وما أوحى إليك من الاطلاع على سرّهم (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) من بنى ظفر (أَنْ يُضِلُّوكَ) عن القضاء بالحق وتوخى طريق العدل ، مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم ، فقد روى أن ناسا منهم كانوا يعلمون كنه القصة (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن وباله عليهم (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) لأنك إنما عملت بظاهر الحال ، وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من خفيات الأمور وضمائر القلوب ، أو من أمور الدين والشرائع. ويجوز أن يراد بالطائفة بنو ظفر ، ويرجع الضمير في : (مِنْهُمْ) إلى الناس. وقيل : الآية في المنافقين.
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(١١٤)
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) من تناجي الناس (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) إلا نجوى من أمر ، على أنه مجرور بدل من كثير ، كما تقول : لا خير في قيامهم إلا قيام زيد. ويجوز أن يكون منصوبا على الانقطاع ، بمعنى : ولكن من أمر بصدقة ، ففي نجواه الخير. وقيل : المعروف القرض. وقيل إغاثة الملهوف. وقيل هو عامّ في كل جميل. ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوّع. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله» (١) وسمع سفيان رجلا يقول : ما أشد هذا الحديث. فقال : ألم تسمع الله يقول (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ
__________________
(١) أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وأبو يعلى والطبراني من حديث أم حبيبة. ومداره على محمد بن يزيد ابن حبيش رواية سفيان الثوري ، وفيه رواية الحاكم بزيادة فيه من كلام الثوري وأنه استشهد بهذه الآية وغيرها.