أمرناهم وأمرناكم بالتقوى ، وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فإنّ لله. والمعنى : إن لله الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها ، فحقه أن يكون مطاعا في خلقه غير معصىّ. يتقون عقابه ويرجون ثوابه. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم أن اتقوا الله ، يعنى أنها وصية قديمة ما زال يوصى الله بها عباده ، لستم بها مخصوصين ، لأنهم بالتقوى يسعدون عنده ، وبها ينالون النجاة في العاقبة ، وقلنا لهم ولكم : وإن تكفروا فإنّ لله في سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه (وَكانَ اللهُ) مع ذلك (غَنِيًّا) عن خلقه وعن عبادتهم جميعاً ، مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم وتكرير قوله (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه فيطيعوه ولا يعصوه ، لأن الخشية والتقوى أصل الخير كله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يفنكم ويعدمكم كما أوجدكم وأنشأكم (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) ويوجد إنساً آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) من الإعدام والإيجاد (قَدِيراً) بليغ القدرة لا يمتنع عليه شيء أراده ، وهذا غضب عليهم وتخويف وبيان لاقتداره. وقيل : هو خطاب لمن كان يعادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب. أى : إن يشأ يمتكم ويأت بأناس آخرين يوالونه. ويروى أنها لما نزلت ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان وقال : «إنهم قوم هذا» (١) يريد أبناء فارس.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً)(١٣٤)
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فما له يطلب أحدهما دون الآخر والذي يطلبه أخسهما ، لأن من جاهد لله خالصاً لم تخطئه الغنيمة ، وله من ثواب الآخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شيء. والمعنى : فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده حتى يتعلق الجزاء بالشرط.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(١٣٥)
__________________
(١) أخرجه الطبري من رواية سهيل عن أبيه عن أبى هريرة بهذا وقال «يعنى عجم الفرس».