المبالغة التي يعطيها اللام ، والمراد بنفيهما نفى ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت. والمعنى : إنّ الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه ، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف ، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله ، لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردّة ، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه ، حيث يبدو لهم فيه كرّة بعد أخرى وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردّة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم ، لأنّ ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع ، ولكنه استبعاد له واستغراب ، وأنه أمر لا يكاد يكون ، وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع ، لا يكاد يرجى منه الثبات. والغالب أنه يموت على شرِّ حال وأسمج صورة. وقيل : هم اليهود ، آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى. ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)(١٣٩)
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) وضع (بَشِّرِ) مكان : أخبر ، تهكما بهم. و (الَّذِينَ) نصب على الذمّ أو رفع بمعنى أريد الذين ، أو هم الذين. وكانوا يمايلون الكفرة (١) ويوالونهم ويقول بعضهم لبعض : لا يتم أمر محمد فتولوا اليهود. (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم ، وقال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(١٤١)
__________________
(١) قوله «يمايلون الكفرة» : لعله «يمالئون». (ع)