الشعائر وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها ، وأن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدّون به الناس عن الحج ، وأن يتعرض للهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله. وأما القلائد ففيها وجهان ، أحدهما : أن يراد بها ذوات القلائد من الهدى وهي البدن ، وتعطف على الهدى للاختصاص وزيادة التوصية بها لأنها أشرف الهدى ، كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) كأنه قيل : والقلائد منها خصوصا. والثاني أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة في النهى عن التعرض للهدى ، على معنى : ولا تحلوا قلائدها فضلا أن تحلوها ، كما قال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهى عن إبداء مواقعها (وَلَا آمِّينَ) ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) وهو الثواب (وَرِضْواناً) وأن يرضى عنهم ، أى لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم ، تعظيما لهم واستنكارا أن يتعرض لمثلهم. قيل : هي محكمة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «المائدة من آخر القرآن نزولا ، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (١)» وقال الحسن : ليس فيها منسوخ. وعن أبى ميسرة : فيها ثماني عشرة فريضة وليس فيها منسوخ. وقيل : هي منسوخة. وعن ابن عباس : كان المسلمون والمشركون يحجون جميعا ، فنهى الله المسلمين أن يمنعوا أحدا عن حج البيت بقوله (لا تُحِلُّوا) ثم نزل بعد ذلك (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) ، (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) وقال مجاهد والشعبي : (لا تُحِلُّوا) نسخ بقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). وفسر ابتغاء الفضل بالتجارة ، وابتغاء الرضوان بأنّ المشركين كانوا يظنون في أنفسهم أنهم على سداد من دينهم ، وأنّ الحج يقربهم إلى الله ، فوصفهم الله بظنهم. وقرأ عبد الله : ولا آمى البيت الحرام ، على الإضافة. وقرأ حميد بن قيس والأعرج : تبتغون ، بالتاء على خطاب المؤمنين (فَاصْطادُوا) إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم ، كأنه قيل : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا. وقرئ بكسر الفاء. وقيل : هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء. وقرئ : وإذا أحللتم ، يقال حلّ المحرم وأحلّ. «جرم» يجرى مجرى «كسب» في تعديه إلى مفعول واحد واثنين. تقول : جرم ذنبا ، نحو كسبه. وجرمته ذنبا ، نحو كسبته إياه. ويقال : أجرمته ذنبا ، على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين ، كقولهم : أكسبته ذنبا. وعليه قراءة عبد الله : ولا يجرمنكم بضم الياء ، وأوّل المفعولين على القراءتين ضمير المخاطبين ، والثاني (أَنْ تَعْتَدُوا). و (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الهمزة ، متعلق بالشنآن بمعنى العلة ، والشنآن : شدّة البغض. وقرئ بسكون النون. والمعنى : ولا يكسبنكم بغض قوم لأن صدّوكم الاعتداء ، ولا يحملنكم عليه. وقرئ : إن صدوكم ، على «إن»
__________________
(١) أخرجه الحاكم من طريق جبير بن نفير. قال «دخلت على عائشة. فقالت لي : يا جبير ، تقرأ المائدة؟ فقلت نعم. فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح. وأشار الترمذي إلى أن المراد بقولها «والفتح» إذا جاء نصر الله. قال : وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما.