فإن قلت : فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت : الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فجيء بالغاية إماطة لظنّ ظانّ يحسبها ممسوحة ، لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة. وعن على رضى الله عنه : أنه أشرف على فتية من قريش فرأى في وضوئهم تجوزاً ، فقال : ويل للأعقاب من النار ، فلما سمعوا جعلوا يغسلونها غسلا ويدلكونها دلكا. وعن ابن عمر : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال : «ويل للأعقاب من النار (١)» وفي رواية جابر «ويل للعراقيب (٢)» وعن عمر أنه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه ، فأمره أن يعيد الوضوء ، وذلك للتغليظ عليه (٣). وعن عائشة رضى الله عنها لأن تقطعا أحب إلىّ من أن أمسح على القدمين بغير خفين (٤). وعن عطاء : والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين (٥). وقد ذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فأوجب المسح. وعن الحسن : أنه جمع بين الأمرين. وعن الشعبي : نزل القرآن بالمسح والغسل سنة. وقرأ الحسن : وأرجلكم ، بالرفع بمعنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين. وقرئ (فَاطَّهَّرُوا) أى
__________________
(١) متفق عليه من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال «خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة فأدركنا ـ فذكره ـ وفيه : وأعقابهم تلوح» ولمسلم «رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة» ولأبى نعيم في المستخرج «وأعقابهم تلوح» ولمسلم «رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولأبى نعيم في المستخرج : وأعقابهم بيض تلوح (تنبيه) لم أره من حديث ابن عمر ، وكأنه تحرف على صاحب الكتاب ، أو بعض من أخذه عنه.
(٢) أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن أبى شيبة وإسحاق وأبو يعلى من رواية أبى إسحاق عن سعيد بن أبى كريب عن جابر وهي عند مسلم من حديث أبى هريرة. وللنسائى في حديث عبد الله بن عمرو المذكور ولأبى يعلى من حديث عائشة. ولسعيد بن منصور من حديث أبى ذر رضى الله عنه
(٣) أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من رواية أبى قلابة «أن عمر رأى رجلا يتوضأ فبقى في رجله قدر ظفر. فقال : أعد الوضوء» وهو منقطع. ورواه البيهقي موصولا من طريق الثوري عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر «أن عمر رأى رجلا» فذكره بلفظ «لمعة» وقد روى مرفوعا. أخرجه أحمد وأبو داود من رواية خالد بن معدان عن بعض الصحابة «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. وقال الأثرم عن أحمد : إسناده جيد. وقال أبو داود : هو مرسل. وتعقبه ابن دقيق العبد بأن عدم ذكر اسم الصحابي حدثه. وهو موصوف بكثرة الإرسال (تنبيه) قوله «تغليظاً عليه» من كلام صاحب الكشاف. وفيه نظر ، لاحتمال أن يكون المراد بقوله «أعد الوضوء» أى اغسل رجليك من إطلاق الكل وإرادة البعض. وأما الذي في المرفوع فيحتمل أن يكون الأمر المذكور بعد أن أحدث الرجل
(٤) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية من رواية القاسم عنها دون قوله «بغير خفين» وفي إسناده محمد ابن مهاجر البغدادي ، رادعي ابن الجوزي أنه وضعه.
(٥) لم أجده.