ما أَنَا بِباسِطٍ)؟ قلت : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع. ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي ، (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) فوسعته له ويسرته ، من طاع له المرتع : إذا اتسع. وقرأ الحسن : فطاوعت. وفيه وجهان : أن يكون مما جاء من فاعل بمعنى فعل ، وأن يراد أنّ قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع ، وله لزيادة الربط كقولك : حفظت لزيد ماله. وقيل : قتل وهو ابن عشرين سنة ، وكان قتله عند عقبة حراء ، وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) روى أنه أوّل قتيل قتل على وجه الأرض من بنى آدم. ولما قتله تركه بالعراء لا يدرى ما يصنع به ، فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع ، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) ويروى أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض فسأله آدم عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلا ؛ فقال بل قتلته ولذلك اسودّ جسدك. وروى أنّ آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك» وأنه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا منحول ملحون. وقد صحّ أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر. (لِيُرِيَهُ) ليريه الله. أو ليريه الغراب ، أى ليعلمه ؛ لأنه لما كان سبب تعليمه ، فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز (سَوْأَةَ أَخِيهِ) عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده. والسوأة : الفضيحة لقبحها. قال :
يَا لَقَوْمِ لِلسَّوْأةِ السَّوْآء (١)
أى للفضيحة العظيمة فكنى بها عنها (فَأُوارِيَ) بالنصب على جواب الاستفهام. وقرئ بالسكون على : فأنا أوارى. أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف (مِنَ النَّادِمِينَ) على قتله ، لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ، وتبين له من عجزه ، وتلمذه للغراب ، واسوداد لونه وسخط أبيه ، ولم يندم ندم التائبين (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) بسبب ذلك وبعلته. وقيل : أصله من أجل شرا إذا جناه يأجله أجلا. ومنه قوله :
وَأَهْلِ خِبَاءٍ صَالحٍ ذَاتُ بَيْنِهِمْ |
|
قَدم احْتَرَبُوا فِى عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهْ (٢) |
__________________
(١) قوله «يا لقوم» يروى يا لقومي. (ع)
(٢) وأهل خباء صالح ذات بينهم |
|
قد احتربوا في عاجل أنا آجله |
فأقبلت في الباغين أسأل عنهم |
|
سؤالك بالأمر الذي أنت جاهله |
لخوات بن جبير ، يصف نفسه بأنه مهياج للشرور والحروب ، يقول : ورب أهل خباء ، أى بيوت متلاصقة كأنها بيت واحد. أو كنى به عن تقاربهم في النسب صالح ذات بينهم. أى الحال التي بينهم صالحة ، قد تحاربوا بسبب شر عاجل أنا آجله أى جانبه قبل الحرب ومهيجه. وفيه شبه التضاد. ويقال : أجل الشر أجلا إذا جناه وهيجه ،