الله عليه وسلم الزانيين (١) فرجما عند باب مسجده (٢) (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) تركه مفتوناً (٣) وخذلانه (٤) (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فلن تستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئا (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ) أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم ؛ لأنهم ليسوا من أهلها ، لعلمه أنها لا تنفع فيهم ولا تنجع (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)(٤٣)
(لِلسُّحْتِ) كل ما لا يحل كسبه ، وهو من ـ سحته ـ إذا استأصله لأنه مسحوت البركة كما قال تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) والربا باب منه. وقرئ (لِلسُّحْتِ) بالتخفيف والتثقيل. والسحت بفتح السين على لفظ المصدر من سحته. والسحت ، بفتحتين. والسحت ، بكسر السين. وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وعن الحسن : كان الحاكم في بنى إسرائيل إذا أتاه
__________________
(١) قوله «الزانيين» لعله بالزانيين. (ع)
(٢) أخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني ابن شهاب سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبى هريرة ـ فذكره ، دون أوله ، ودون قوله فيه : فقال له جبريل : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال : هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور ، يسكن فدك. ودون ما في آخره. وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية معمر عن الزهري مطولا ـ زاد فيه قصة الملك الذي كان زنى منهم فلم يرجموه ، وأصله في الصحيحين من حديث أبى هريرة وغيره مختصرا.
(٣) قال محمود : «معنى ومن يرد الله فتنته : ومن يرد تركه مفتونا ... الخ» قال أحمد رحمه الله : كم يتلجلج والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أن الله تعالى أراد الفتنة من المفتونين ، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر ، لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد ، وأراد من كل أحد الايمان وطهارة القلب ، وأن الواقع من الفتن على خلاف إرادته ، وأن غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد ولكن لم يقع ، فحسبهم هذه الآية وأمثالها ، لو أراد الله أن يطهر قلوبهم من وضر البدع. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. وما أبشع صرف الزمخشري هذه الآية عن ظاهرها بقوله : لم يرد الله أن يمنحهم ألطافه ، لعلمه أن ألطافه لا تنجع فيهم ولا تنفع ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا لم تنجع ألطاف الله تعالى ولم تنفع ، فلطف من ينفع وإرادة من تنجع؟ وليس وراء الله للمرء مطمع.
(٤) قوله «تركه مفتونا وخذلانه» قدر هذا بناء على أنه تعالى لا يريد الشر عند المعتزلة لكن عند أهل السنة يريد الشر والخير كما حقق في محله. (ع)