وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧)
قفيته مثل عقبته ، إذا أتبعته ، ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به ، فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء فإن قلت : فأين المفعول الأول في الآية؟ قلت ، هو محذوف والظرف الذي هو (عَلى آثارِهِمْ) كالسادّ مسدّه ؛ لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه ، والضمير في آثارهم للنبيين في قوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا). وقرأ الحسن : الإنجيل بفتح الهمزة ؛ فإن صح عنه فلأنه أعجمى خرج لعجمته عن زناة العربية ، كما خرج هابيل وآجر (وَمُصَدِّقاً) عطف على محل (فِيهِ هُدىً) ومحله النصب على الحال (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً) يجوز أن ينتصبا على الحال. كقوله : (مُصَدِّقاً) وأن ينتصبا مفعولا لهما ، كقوله : (وَلْيَحْكُمْ) كأنه قيل. وللهدى والموعظة آتيناه الإنجيل ، وللحكم بما أنزل الله فيه من الأحكام. فإن قلت : فإن نظمت (هُدىً وَمَوْعِظَةً) في سلك مصدقا ، فما تصنع بقوله وليحكم قلت : أصنع به ما صنعت بهدى وموعظة حين جعلتهما مفعولا لهما ، فأقدّر : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه. وقرئ : وليحكم على لفظ الأمر بمعنى : وقلنا ليحكم. وروى في قراءة أبى : وأن ليحكم ، بزيادة «أن» مع الأمر على أنّ «أن» موصولة بالأمر ، كقولك : أمرته بأن قم كأنه قيل : وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل. وقيل : إن عيسى عليه السلام كان متعبداً بما في التوراة من الأحكام ؛ لأن الإنجيل مواعظ وزواجر والأحكام فيه قليلة. وظاهر قوله (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) يردّ ذلك ، وكذلك قوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وإن ساغ لقائل أن يقول : معناه : وليحكموا بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(٤٨)
فإن قلت : أى فرق بين التعريفين في قوله (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) وقوله (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ)؟ قلت : الأول تعريف العهد ، لأنه عنى به القرآن. والثاني تعريف الجنس ، لأنه