جلاله) عن هذه الظواهر وغيرها بالتفصيل هناك. ولا نرى أن نسهب في هذه وشاهدة بالدقة ، وشاهدة بالإبداع الجميل : (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ.)
وهي لفتة هنا إلى جمال الكون ، فليست الضخامة وحدها ، وليست الدقة وحدها إنما الجمال الذي ينتظم المظاهر جميعا ، وينشأ من تناسقها جميعا.
وإن نظرة مبصرة إلى السماء في الليلة الحالكة ، وقد انتثرت فيها الكواكب والنجوم ، توصوص بنورها ثم يبدو كأنما تخبو ، ريثما تنتقل العين لتلبي دعوة من نجم بعيد .. ونظرة مثلها في الليلة القمرية والبدر حالم ، والكون من حوله مهوم ، كأنما يمسك أنفاسه لا يوقظ الحالم السعيد.
إن نظرة واحدة شاعرة لكفيلة بإدراك حقيقة الجمال الكوني ، وعمق هذا الجمال في تكوينه ، ولإدراك معنى هذه اللفتة العجيبة : (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ.)
ومع الزينة الحفظ والطهارة : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) لا ينالها ولا يدنسها ولا ينفث فيها من شره ورجسه وغوايته. فالشيطان موكل بهذه الأرض وحدها ، وبالغاوين من أبناء آدم فيها. أما السماء ـ وهي رمز للسمو والارتفاع ـ فهو مطرود عنها مطارد لا ينالها ولا يدنسها. إلا محاولة منه ترد كلما حاولها : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ.)
وما الشيطان؟ وكيف يحاول استراق السمع؟ وأي شىء يسترق؟ كل هذا غيب من غيب الله ، لا سبيل لنا إليه إلا من خلال النصوص. ولا جدوى في الخوض فيه ، لأنه لا يزيد شيئا في العقيدة ؛ ولا يثمر إلا انشغال العقل البشري بما ليس من اختصاصه ، وبما يعطله عن عمله الحقيقي في هذه الحياة. ثم لا يضيف إليه إدراكا جديدا لحقيقة جديدة.
فلنعلم أن لا سبيل في السماء لشيطان ، وأن هذا الجمال الباهر فيها محفوظ ، وأن ما ترمز إليه من سمو وعلى مصون لا يناله دنس ولا رجس ، ولا يخطر فيه شيطان ، وإلا طورد فطرد وحيل بينه وبين ما يريد).