فوائد :
١ ـ في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) أقوال كثيرة للمفسرين ، وقد اخترنا لك من هذه الأقوال ما اعتبرناه هو القول الأقوى ، وهو الذي نقله ابن كثير عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم ، وهو اختيار ابن جرير رحمهالله ، وبعد أن ذكر ابن كثير هذا نقل اتجاها آخر هو الذي غلب على مفاهيم الأكثرين. فلننقل ما ذكره ابن كثير ، ثم نعلّق عليه. قال ابن كثير بعد أن ذكر القول الأول ومن ذهب إليه قال : وروى ابن جرير ... عن مروان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء فأنزل الله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) وقد ورد فيه حديث غريب جدا فروى ابن جرير عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم امرأة حسناء ـ قال ابن عباس لا والله ما رأيت مثلها قط ـ وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا ـ يعنى لئلا يروها وبعضهم يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم فأنزل الله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) وكذا رواه أحمد ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ، وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحدّاني وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرجه مسلم وأهل السنن ، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك ، وهو النّكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) في الصفوف في الصلاة (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر ، وقد قال الترمذي هذا أشبه من رواية نوح بن قيس والله أعلم. وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذاكر محمد بن كعب في قوله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) أنها في صفوف الصلاة فقال محمد بن كعب ليس هكذا (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) الميت والمقتول (الْمُسْتَأْخِرِينَ) من يخلق بعد (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرا».
نلاحظ من هذا النقل الذي نقلناه عن ابن كثير أكثر من معنى :