هود ، وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله ، وعطف بذكر مجىء قومه ومحاجته لهم ، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيمّا إذا دلّ دليل على خلافه».
(قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) أي : أو ما نهيناك أن تضيف أحدا ، أو أوما نهيناك عن أن تجير أحدا أو تدفع عنه ، فأرشدهم إلى نسائهم وما خلق لهم ربهم منهن من الفروج المباحة (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) أي أزواجكم فالنّبي أب لقومه ، أو أنه عرض عليهم أن يزوجهم بناته ، وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزا (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) أي إن كنتم تريدون قضاء الشهوة ، فلتكن فيما أحلّ الله دون ما حرّم ، هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم وما قد أحاط بهم من البلاء ، وماذا سيصبحهم من العذاب المستقر ـ نعوذ بالله من الغفلة ـ ولهذا قال الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه ، والصواب الذي يدعون إليه (يَعْمَهُونَ) أي يتحيرون ويترددون (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) وهي ما جاءهم من الصوت القاصف (مُشْرِقِينَ) أي داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس. قال ابن كثير : وذلك مع رفع بلادهم إلى عنان السماء ، ثم قلبها وجعل عاليها سافلها ، وإرسال حجارة السجيل عليهم ، وقد تقدم الكلام عن السجيل في سورة هود بما فيه كفاية (فَجَعَلْنا عالِيَها) أي عالي قرى قوم لوط (سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي حجارة من طين مستحجرة قوية شديدة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أي المتفرسين المتأملين ، وسمي المتفرس المتأمل متوسما لأنه كأنه يعرف باطن الشىء بسمة ظاهرة ، والمعنى : إن آثار هذه النقم الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسّمه بعين بصره وبصيرته فيه معجزات كثيرة (وَإِنَّها) أي هذه القرى يعني آثارها (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد وهم يبصرون تلك الآثار ، قال ابن كثير : «أي وإن قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة بطريق مهيع مسالكه مستمرة إلى اليوم» أي من أراد التوسم فإنه ميسر له (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) هي للمتوسمين آيات وللمؤمنين آية ، والمعنى : إن الذي صنعنا بقوم لوط من الهلاك والدمار وإنجائنا لوطا وأهله لدلالة واضحة جلية للمؤمنين بالله ورسله. وحتى لا يفهم فاهم أن هذه حادثة مفردة وليست سنة مطردة. قال تعالى : (وَإِنْ كانَ) أي وإنه كان (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي قوم شعيب ،