بأنه ليس يقنط فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) أي إلا المخطئون طريق الصواب ، أي لم أستنكر ذلك قنوطا من رحمته ، ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها ، ثم شرع يسألهم عما جاؤوا له (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) أي فما شأنكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي أيها الملائكة المرسلون من الله (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي قوم لوط (إِلَّا آلَ لُوطٍ) أي إلا أهله المؤمنين (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (إِلَّا امْرَأَتَهُ) فإنها ليست من المؤمنين (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) أي المهلكين في العذاب وإنما قالوا قدرنا ، والمقدر الله لقربهم من الله ، وتكليفهم منه بذلك (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي لا أعرفكم (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك ، وتشفّيك من أعدائك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه ، أي يشكون ويكذبونك (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أي باليقين من عذابهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي في الإخبار بنزوله بهم (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي في آخر الليل ، أو بعد ما يمضي شىء صالح من الليل (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) وسر خلفهم وامش وراءهم يكون أحفظ لهم ولتكون مطّلعا عليهم وعلى أحوالهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم ، وذروهم فيما حلّ بهم من العذاب والنكال ، والحكمة في ذلك لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقّوا لهم في موضع لا تجوز فيه الرقة ، أو جعل النهي عن الالتفات من أجل مواصلة السير وترك التواني والتوقف ، لأن من يلتفت لابد له من أدنى وقفة (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) أي حيث أمركم الله بالمضي إليه. وتدعي التوارة الحالية المحرّفة أن المكان الذي ذهب إليه هو صوغر ـ بلد قريبة من سدوم ـ وعمورة قريتي قومه اللتين عذبتا (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ) أي وأوحينا إليه وحيا مبتوتا مقضيا (ذلِكَ الْأَمْرَ) وهو (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) أي وقت الصباح ودابرهم آخرهم أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) تذكر التوراة الحالية أن سكن لوط كان في سدوم ، وأن مجىء الملائكة إليها وأن رجالها جميعا جاؤوا إلى لوط (يَسْتَبْشِرُونَ) أي فرحين بالملائكة طمعا منهم في ركوب الفاحشة (قالَ) أي لوط (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) أي بفضيحة ضيفي ، لأن من أساء إلى ضيفي فقد أساء إليّ (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) أي ولا تذلوني وتهينوني بإذلال ضيفي وإهانته. قال ابن كثير : وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله كما قال في سورة