هذا مظهر من مظاهر ما أشارت إليه الآية الأولى في السورة من كون هذه السورة فيها من معجزات هذا القرآن.
نقول من الظلال :
١ ـ قال صاحب الظلال تعليقا على قصتي إبراهيم ولوط في سورة الحجر :
(وقد وردت هذه الحلقة من قصة إبراهيم وقصة لوط عليهالسلام في مواضع متعددة بأشكال متنوعة ، تناسب السياق الذي وردت فيه. ووردت قصة لوط وحده في مواضع أخرى.
وقد مرّت بنا حلقة من قصة لوط في الأعراف ، وحلقة من قصة إبراهيم ولوط في هود .. فأما في الأولى فقد تضمنت استنكار لوط لما يأتيه قومه من الفاحشة ، وجواب قومه : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وإنجاءه هو وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. وذلك دون ذكر لمجىء الملائكة إليه وائتمار قومه بهم. وأما في الثانية فقد جاءت قصة الملائكة مع إبراهيم ولوط مع اختلاف في طريقة العرض. فهناك تفصيل في الجزء الخاص بإبراهيم وتبشيره وامرأته قائمة. وجداله مع الملائكة عن لوط وقومه. وهو ما لم يذكر هنا. وكذلك يختلف ترتيب الحوادث في القسم الخاص بلوط في السورتين .. ففي سورة هود لم يكشف عن طبيعة الملائكة إلا بعد أن جاءه قومه يهرعون إليه وهو يرجوهم في ضيفه فلا يقبلون رجاءه ، حتى ضاق بهم ذرعا وقال قولته الأسيفة : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.) وأما هنا فقدم الكشف عن طبيعة الملائكة منذ اللحظة الأولى ، وآخرها حكاية القوم وائتمارهم بضيف لوط. لأن المقصود هنا ليس هو القصة بترتيبها الذي وقعت به ، ولكن تصديق النذير ، وأن الملائكة حين ينزلون فإن القوم لا ينظرون ولا يمهلون).
٢ ـ وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) : (والتعبير على هذا النحو يكشف عن مدى الشناعة والبشاعة الذي وصل إليه القوم في الدنس والفجور في الفاحشة الشاذة المريضة. يكشف عن هذا المدى في مشهد أهل المدينة يحبيئون جماعة ، يستبشرون بالعثور على شبان يعتدون عليهم جهرة وعلانية. هذه العلانية الفاضحة في طلب هذا المنكر ـ فوق المنكر ذاته ـ شىء بشع لا يكاد الخيال يتصور وقوعه لو لا أنه وقع. فقد يشذ فرد مريض فيتوارى بشذوذه ، ويتخفى بمرضه ،