ويحاول الحصول على لذته المستقذرة في الخفاء وهو يخجل أن يطلع عليه الناس. وإن الفطرة السليمة لتتخفى بهذه اللذة حين تكون طبيعية. بل حين تكون شرعية. وبعض أنواع الحيوان يتخفى بها كذلك. بينما أولئك القوم المنحوسون يجاهرون بها ويتجمهرون لتحصيلها ، ويستبشرون جماعات وهم يتلمظون عليها! إنها حالة من الارتكاس معدومة النظير).
٣ ـ وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ، فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) :
(وقد خسف بقرى لوط بظاهرة تشبه ظاهرة الزلازل أو البراكين وتصاحبها أحيانا ظاهرة الخسف وتناثر أحجار ملوثة بالطين وهبوط مدن بكاملها تسيح في الأرض. ويقال : إن بحيرة لوط الحالية وجدت بعد هذا الحادث. بعد انقلاب عمورة وسدوم في باطن الأرض ، وهبوط مكانها وامتلائه بالماء.
وقرى لوط في طريق مطروق بين الحجاز والشام يمر عليها الناس. وفيها عظات لمن يتفرس ويتأمل ، ويجد العبرة في مصارع الغابرين. وإن كانت الآيات لا تنفع إلا القلوب المؤمنة المتفتحة المستعدة للتلقي والتدبر واليقين :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)
٤ ـ وعلّق صاحب الظلال على ورود قصتي قوم شعيب وقوم صالح في سورة الحجر فقال : وقد فصّل القرآن قصة شعيب مع قومه : أهل مدين وأصحاب الأيكة في مواضع أخرى. فأما هنا فيشير إشارة إلى ظلمهم وإلى مصرعهم تصديقا لنبأ العذاب في هذا الشوط ، ولإهلاك القرى بعد انقضاء الأجل المعلوم الوارد في مطالع السورة. ومدين والأيكة كانتا بالقرب من قرى لوط. والإشارة الواردة هنا (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) قد تعني مدين والأيكة ، فهما في طريق واضح غير مندثر ، وقد تعني قرية لوط السالفة الذكر ، وقرية شعيب ، جمعهما لأنهما في طريق واحد بين الحجاز والشام ، ووقوع القرى الدائرة على الطريق المطروق أدعى إلى العبرة ، فهي شاهد حاضر يراه الرائح والغادي. والحياة تجري من حولها وهي دائرة كأن لم تكن يوما عامرة. والحياة لا تحفلها وهي ماضية في الطريق.