الذي سيناله أهل التقوى ، وتفصّل في أن الله هو منزل القرآن ، وتفصّل في ضرورة اتباع القرآن ، وتفصّل في أحوال الكافرين ، وفيما يستحقون من عذاب في الدنيا والآخرة ، وتفصّل فيما ينبغي أن يكون عليه حال النذير من إعراض ، أو تبليغ ، أو تسبيح ، أو سجود ، أو عبادة.
نقول من الظلال :
١ ـ قال صاحب الظلال رابطا بين قوله تعالى (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) وبين الآية التي جاءت بعدها (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) :
والمهم أن وصل هذا النص بآيات خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق والساعة الآتية لا ريب فيها ، يشي بالاتصال بين هذا القرآن ، والحق الأصيل الذي يقوم به الوجود وتقوم عليه الساعة. فهذا القرآن من عناصر ذلك الحق ، وهو يكشف سنن الخالق ، ويوجه القلوب لإدراكها ، ويكشف أسباب الهدى والضلال ، ومصير الحق والباطل ، والخير والشر ، والصلاح والطلاح. فهو من ذلك الحق ومن وسائل كشفه وتبيانه. وهو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات والأرض ، ثابت ثبوت نواميس الوجود ، مرتبط بتلك النواميس. وليس أمرا عارضا ولا ذاهبا. إنما يبقى مؤثرا في توجيه الحياة وتصريفها وتحويلها ، مهما يكذب المكذبون ، ويستهزئ المستهزؤون. ويحاول المبطلون الذين يعتمدون على الباطل وهو عنصر طارئ زائل في هذا الوجود.
ومن ثم فإن من أوتي هذه المثاني وهذا القرآن العظيم ، المستمد من الحق الأكبر ، المتصل بالحق الأكبر .. لا يمتد بصره ولا تتحرك نفسه لشىء زائل في هذه الأرض من أعراضها الزوائل. ولا يحفل بمصير أهل الضلال ، ولا يهمه شأنهم في كثير ولا قليل. إنما يمضي في طريقه مع الحق الأصيل : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُلْ : إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ.)
٢ ـ وعند قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) قال صاحب الظلال : (وليس المقصود هو أن يقنع المحرومون بحرمانهم ويدعوا المتمتعين لمتاعهم ، حين تختل الموازين الاجتماعية وينقسم المجتمع إلى محرومين ظلما ومتمتعين بغيا ، فالإسلام الذي يقوم على الحق ، ويقرر أن الحق هو قوام هذا الوجود لا يرضى