إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه ، وصار «انطلق الملأ» لمّا أضمر القول بعده لمعنى فعل يتضمن القول ، نحو : «كتبت» وأشباهه.
والوجه الآخر : أن يكون «انطلقوا» بمعنى : «تكلموا» كما يقال : انطلق زيد فى الحديث ، كأنّ خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق. ويقال فى «أن امشوا» : أن أكثروا وانموا. وليس «المشي» هاهنا قطع الأماكن ؛ بل المعنى هو الذهاب فى الكلام ، مثل : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) (١). ومعنى «المشي» هو الدّؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها ، مثل : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) (٢) ليس يريد الانتصاب ، وإنما يريد الاقتضاء ، ومثل : (الْقَيُّومُ) (٣) ، أي : المديم حفظه خلقه.
فإن قيل : فإذا كان تأويل المشي على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير : انطلقوا بالمشي ؛ لأنه يكون على هذا المعنى : أوصوهم بالملازمة لعبادتها ، قيل «الوصية» وإنما هى العبادة فى الحقيقة لا بغيرها ، فلا يجوز تعليق «الوصية» بغير العبادة. وأيضا ليس المعنى : ذهبوا فى الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة.
وأما قوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (٤). «أن» بمعنى : أي ، وهى تفسير «أمرتنى» ، لأن فى الأمر معنى «أي» : ولو قلت : ما قلت لهم إلّا ما قلت لى أن اعبدوا الله ، لم يجز ، لأنه قد ذكر القول ، وإنّ «أن» إذا كانت بمعنى «أي» ، فهى تحتاج إلى ثلاثة شرائط : أولها : أن يكون الفعل والذي يفسره ، أو يعبر عنه ، فيه معنى القول وليس بقول ، وقد مضى هذا.
__________________
(١) سبأ : ٣٨.
(٢) آل عمران : ٧٥.
(٣) البقرة : ١٥٥ ـ آل عمران : ـ طه : ١١١.
(٤) المائدة : ١٢٠.