الباب المتم الخمسين
باب ما جاء في التنزيل «أن» فيه بمعنى «أي»
فمن ذلك قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(١). / المعنى : أي لا تشركوا به شيئا ، ف «لا» ناهية جازمة ، و«أن» بمعنى «أي».
وقيل : بل التقدير فيه : ذلك ألّا تشركوا فيه ؛ فيكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : المتلو ألّا تشركوا ؛ وليس التقدير : المحرم ألّا تشركوا ؛ لأن ترك الشرك ليس محرما ، كما ظنّه الجاهل ، ولا أنّ «لا» زائدة.
وقيل : التقدير : حرم عليكم بألّا تشركوا.
وقيل : التقدير : أتلو عليكم ما حرم ، أي : أتلو المحرم لئلا تشركوا.
وقيل : التقدير : عليكم ألّا تشركوا ، و«أن» هذه نابية عن القول ، وتأتى بعد فعل فى معنى القول وليس بقول ، كقولك : كتبت إليك أن قم. تأويله : قلت لك قم. ولو قلت : قلت لك أن تقوم ، لم يجز ؛ لأن : القول يحكى ما بعده ، ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه فى الابتداء ، وما كان فى معنى القول وليس بقول فهو يعمل ، وما بعده ليس كالكلام المبتدأ. وهذا الوجه فى «أن» لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه ، وعرفه البصريون وذكروه وسمّوه : «أن» التي للعبارة ، وحملوا عليه قوله :
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) (٢). وفى تقديره وجهان :
أحدهما : انطلقوا فقالوا : قال بعضهم لبعض : امشوا واصبروا ؛ وذلك أنهم انصرفوا من مجلس دعاهم فيه النبىّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ
__________________
(١) الأنعام : ١٥١.
(٢) ص : ٦.