فإن قلت : فإن معنى قوله : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) (١) : ما فى صدورهم إلا كبر. وإذ لم يكن فى صدورهم إلّا كبر ، قلت : المعنى : ما هم ببالغي ما فى صدورهم ؛ فقد قلت : إن المعنى : ما هم ببالغي ما فى الكبر ؛ لأن فى صدورهم الكبر لا غير.
فالقول فى ذلك : إن هذا على الاتساع ، وتكثير «الكبر» لا يمتنع أن يكون فى صدورهم غيره ، ألا ترى أنك قد تقول للرجل : ما أنت إلّا سير ، وما أنت إلّا شرب الإبل ؛ وإذا كان كذلك كان المعنى : إن فى صدورهم إلا كبر ، ما هم ببالغي ما فى صدورهم ، ويكون المعنى بقوله «ما فى صدورهم» : ما كانوا يجادلونه من أمر النبي ، صلى الله عليه وعلى آله. كقوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) (٢) ، فمعنى (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) (٣) ؛ ما هم ببالغي ما يرونه من توهين أمره وتنفير الناس عنه وصدّهم عن الدين.
قال أبو عثمان المازنىّ : ولا يضاف «ضارب» إلى فاعله ، لأنك لا تضيفه إليه مضمرا ، وكذلك لا تضيفه إليه مظهرا.
قال : وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل مظهرا لمّا جازت إضافته إليه مضمرا. وكأنّ أبا عثمان إنما اعتبر فى هذا الباب المضمر فقدّمه وحمل عليه المظهر ، / من مثل أنّ المضمر أقوى حكما فى باب الإضافة من المظهر ، وذلك أنّ المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة ، وهو التنوين ، من
__________________
(١) غافر : ٥٦.
(٢) الصف : ٨.