/ ومن ذلك قوله تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١) قيل : لم يقولوا : إن شاء الله. وقيل : لم يستثنوا حق المساكين. فعلى الثاني : الواو للحال ، أي : أقسموا غير مستثنين ، وعلى الأول : الواو للعطف ، أي : أقسموا وما استثنوا ، فهو حكاية الحال من باب : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) (٢). وإن شئت من باب : (كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) (٣) نظير قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٤) ، وقوله : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) (٥) ، وقوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ) (٦).
وأما قوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) (٧).
قال الجرجاني (٨) : كما لا يجوز أن يكون «لا نكذب» معطوفا على «نرد» لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال : يا ليتنا لا نكذب ، كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال ، لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله فى التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها.
فإذا قلت : ليتك تأتينى وأنت راكب ، كنت تمنيت كونه راكبا ، كما تمنيت الإتيان. فإن قلت ما تقول فى مثل قول المتنبي :
فليتك ترعانى وحيران معرض (٩)
لا يتصور أن يكون دنوه من «حيران» متمنّى ، فإن ذلك لا يكون ؛ لأن المعنى فى مثل هذا شبيه التوقيف ، نحو : ليتك ترعانى حين أعرض حيران ، وحين انتهيت إلى حيران ، ولا يكون ذلك إلّا فى الماضي الذي قد كان ووجد ،
__________________
(١) القلم : ١٧.
(٢) الكهف : ١٨.
(٣) الحج : ٢٥.
(٤) الحجر : ٩.
(٥) يونس : ٨٣.
(٦) المؤمنون : ٩٩.
(٧) الأنعام : ٢٧.
(٨) الجرجاني : هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز. ومن كتبه : تفسير القرآن. وكانت وفاته سنة ٣٦٦ ه. (وفيات الأعيان. معجم الأدباء).
(٩) صدر بيت من قصيدة له في مدح كافور ، وعجز البيت :
فتعلم أني من حسامك حده
وحيران : ماء بالشام بالقرب من سلمية ، على يوم منها. ومعرض : ظاهر ، من أعرض الشيء : إذا بدا للناظر. (الديوان ٢ : ٢٧).