لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة أتاه أصحاب الصليب الذين يجمعون الأوداك فقالوا : يا رسول الله ، إنا نجمع هذه الأوداك (١) وهي من الميتة وغيرها ، وإنما هي للأدم والسفن ، فقال صلّى الله عليه وسلم :
«لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها» (٢) فبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم : أن الله تعالى إذا حرم شيئا حرمه على الإطلاق ، ودخل تحته تحريم البيع ..
وذكر عن عطاء أنه قال : يدهن بشحوم الميتة ظهور السفن ، وهذا قول شاذ ، فظن أصحاب أبي حنيفة ان تحريم الله تعالى عين الميتة منع الانتفاع بالميتة من الوجوه كلها ، ومنع بيعها ، ويجوز بيع الأعيان النجسة غير الميتة ، إذ التحريم فيها ليس مضافا إلى العين.
قال الشافعي رحمه الله : ينبغي من قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تحريم لبنها ، وأبو حنيفة حكم بطهارة أنفحتها وألبانها ، ولم يجعل لموضع الخلقة أثرا في تنجيس ما جاوره بما حدث فيه خلقة ، قال : ولذلك يؤكل اللحم بما فيه من العروق بمع القطع بمجاورة الدم لدواخلها من غير غسل ولا تطهير لها ، فدل ذلك على أن موضع الخلقة لا ينجس بالمجاورة لما خلق فيه ، ويلزمه على مساق هذا الحكم بطهارة ودك الميتة ، فإن الموت لا يحله أصلا ، ونجاسة الخلقة لا تؤثر فيما جاورها ..
وله أن يقول : إن الودك في حكم الجزء الباقي معه ، واللبن خلق خلقا ينفصل عن الأصل فيحتلب ويستخرج منه ، ولو انفصل الودك من الجملة في حياة الجملة كان نجسا بخلاف اللبن ، فإذا لم ينجس اللبن
__________________
(١) الأوداك : جمع ودك وهو دسم اللحم.
(٢) رواه ابن ماجة.