نعم ، اختلف أصحاب الشافعي فيما إذا نذر قربة من غير أن يستنجح بها طلبة ، أو يستدفع بها بلية.
فمنهم من أوجب لأنها داخلة تحت قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ).
ومنهم من لم ير ذلك ، لأنه ليس إلى العباد إيجاب ما لم يوجبه الله تعالى عليهم ، فإن الذي وجب ، إنما وجب لعلم الشرع أنه داعي إلى المستحسنات العقلية ، وناهي عن المستقبحات العقلية ، ولا يجوز ذلك فيما يوجبه العبد على نفسه.
والقول الآخر يقول : إن العبد إذا باشر السبب الموجب ، أوجبه الله تعالى عليه ، فيكون من العبد مباشرة السبب الوحيد ، وكون السبب موجبا عرف بالشرع ، فوجب بإيجاب الشرع ، لا بغيره ، وهذا بيّن.
ولعل الأظهر اندراج ذلك تحت العموم ، ولا خلاف أن المباح نذره لا يوجب شيئا ، لأنه لا يتوهم كونه داعيا إلى المستحسنات العقلية ، ولا أن له في الوجوب أصلا يتوهم ، كون هذا داخلا تحته ، وهذا بيّن لا غبار عليه.
ولما حلف الصديق على ما كان فعله خيرا من تركه ، قيل له :
(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى)(١).
فحنث الصديق عن نفسه ، وكفر عن يمينه.
__________________
(١) اخرجه البخاري في صحيحة ، ومسلم ، وكلاهما عن ابي الربيع الزهراقي.
(١) سورة النور آية ٢٢.