وتعسفت في الاعتراض والتفسير توهما لكون المراد من اليتامى في هذه الآية هو المراد منهم في الآية السابقة وهم الذكور والإناث الصغار الذين لم يخرجوا من الصغر الى البلوغ بحسب حال الذكر والأنثى وتوهما لكون المراد من «تقسطوا» هو الاقساط في أموالهم كما هو مضمون الآية السابقة فشذت الافهام عن الوصول الى حقيقة الربط بين قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) وبين قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فلما ذا يغيب عن الافهام ان لفظ اليتيم واليتامى قد تقتضي المناسبات ومحاسن الكلام ان يستعمل فيمن انقضى عنه اليتم فيقال يتيم ويتامى لغرض يدعو إلى ذلك. انشد السيد الرضي في حقائق التأويل : ـ
ان القبور تنكح الأيامى |
|
النسوة الأرامل اليتامى |
وحكي عن الاصمعي عن بعض العرب : ـ
أحب اليتامى البيض من آل سامة |
|
واكره منهن اليتامى الفواركا |
اذن فما ظنك بحسن الاستعمال فيمن هن قريبات العهد بزمان اليتم وقد بقيت عليهن آثاره. ولماذا لا يلتفت إلى ان الحكم بحسب مناسبته كثيرا ما يكون هو المبين لموضوعه والمعين له. وكثيرا ما يدل طرف الكلام على تعيين المراد من طرفه الآخر كما تقول لمن يريد التزويج في وقته المرتضعات من أمهاتهن تزوج منهم. وقد يؤتى بالحكم في بليغ الكلام على وجه يعم موضوع الكلام وغيره كما إذا سألت الطبيب عن أكل التفاح فقال يجوز لك ان تأكل ما اشتهيت من فواكه الصيف الى المقدار الفلاني. ولئن اخفت الغفلات وجه الدلالة فإنه يتضح بالنظر إلى قوله تعالى في هذه السورة ١٢٦ (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) الظاهر من الإطلاق كون الاستفتاء عن الأمر المختص بالنساء وهو التزوج بهن لا من حيث اصل التزوج فإنه لا يشك فيه احد لكي يستفتي عنه بل عن التعدد (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) بما شرعه في أمرهن (وَ) يفتيكم ايضا بذلك كلما قرأ القرآن وحيه المنزل وهو (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي) شأن (يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي) توليتم امورهن بعد موت آبائهن وبلغن مبلغ النساء واستحققن ان تؤتوهن ما كتب لهن من ميراثهن ونمائه مثلا وأنتم من حرصكم واثر العادة الجاهلية (لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ) مما ذكر (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) اي ترغبون في ان تنكحوهن فإنه الظاهر في التقدير دون كلمة «عن» ويكون هذا الظاهر محكما بالنظر الى انه ليس في القرآن فتوى في اللاتي يرغب عن نكاحهن بل الفتوى في الكتاب انما تنطبق على اللاتي يرغب في