أما الصلة بين مقدمة السورة وسياقها هنا فهي من حيث إنها تبين لنا أن الوحي تذكرة لمن يخشى ، وقد رأينا كيف أن السحرة تذكروا ، فلم يكن الوحي شقاء لموسى ، ولا لهم ، فالشقاء : هو بقاء الإنسان على الكفر ورفضه للحق ، والعبرة بالخواتيم في الدنيا والآخرة ، ولئن كانت خاتمة السحرة شهادة ، فإنها سعادة إذ هي أمنية المؤمنين وقد نالوا رضوان الله ، ولكن كيف كانت عاقبة فرعون ، وماذا أعد له في الآخرة؟.
إنه لا سعادة بدون هداية ، ولا شقاء معها ، ولا فلاح بدون إيمان ولا شقاء معه ، وفي قول السحرة (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) ما يفيد أن الإنسان لو عذبه الكافرون كل حياته لما كان ذلك يساوي شيئا ، ولما كان ذلك بالنسبة له شقاء.
ومن ثم فإننا ندرك ـ وسيزداد هذا الإدراك وضوحا ـ أن السورة تعالج موضوع التصور الخاطئ للشقاء والسعادة الذي عليه الكافرون ، فالسعادة : هي الإيمان بالوحي واليوم الآخر ، والشقاء : هو رفض ذلك ، فالكفر شقي شقي مهما كان غارقا في اللذات ، والمؤمن سعيد سعيد مهما كان غارقا في الآلام (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولننتقل إلى جولة جديدة من قصة موسى ـ عليهالسلام ـ نرى فيها عاقبة فرعون ، وعاقبة موسى وقومه ، هي تعطي درسا جديدا لأهل الإيمان ، وهذه الجولة تبدأ من الآية (٧٧) إلى نهاية الآية (٩٨) ، ثم تأتي آيات تبين حكمة ذكر قصة موسى في هذا القرآن ، وعاقبة الإعراض عن هذا القرآن ، وتعرض لمشاهد من يوم القيامة ، وتعود للكلام عن القرآن وخصائصه ، وحكمة إنزاله ، وكل ذلك بما ينسجم مع سياق السورة الخاص ، ومع محورها ضمن السياق القرآني العام ، ومن ثم فسنعرض هذه الآيات عرضا واحدا حتى نهاية الآية (١١٤) أي إلى بداية قصة آدم عليهالسلام ، وذلك هو المقطع الثالث في السورة.