قال ابن كثير : (والظاهر أن فرعون لعنه الله صمم على ذلك ، وفعله بهم ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء) ثم اتموا كلامهم واعظين فرعون ومحذرين له من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي ومرغبين له في ثوابه الأبدي المخلد ومعللين لإيمانهم فقالوا (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) أي كافرا (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح بالموت (وَلا يَحْيى) أي حياة ينتفع بها (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) أي بأن مات على الإيمان (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) أي بعد أن آمن (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) جمع العليا ثم فسر الدرجات العلى بقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي دائمين فيها ومعنى النص : ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب قد صدق ضميره بقوله وعمله فأولئك لهم الجنة ذات الدرجات العاليات ، والغرف الآمنات ، والمساكن الطيبات (وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى.)
قال ابن كثير : (أي طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك ، وعبد الله وحده لا شريك له واتبع المرسلين فيما جاؤوا به من خبر وطلب).
وما ذكرناه من أن هذه الآيات الثلاث هي حكاية قول السحرة هو الذي رجحه ابن كثير ، وهو الذي مشينا عليه في التفسير ، ورجح النسفي : أنها خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية ، والذي نرجحه هو ما رجحه ابن كثير.
وبهذا تنتهي الجولة الثانية من قصة موسى في هذه السورة.
كلمة في السياق :
رأينا أن محور السورة هو قوله تعالى من سورة البقرة : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقد رأينا في هذه المجموعة من السورة نموذجا على الإيمان الصادق بالله ورسوله ، ونموذجا عن الإيمان اليقيني باليوم الآخر ، وما هي آثار ذلك ، فهؤلاء سحرة فرعون عند ما خالط الإيمان بالله واليوم الآخر قلوبهم ، أعلنوا إيمانهم في وجه فرعون واستهانوا بكل عقوباته واتهاماته وتهديداته ، ولم يبق في قلوبهم إلا الرغبة في رضوان الله ونيل ثوابه ، وإذا كان المقطع قد قص علينا ما يفعله الإيمان ، فقد قص علينا كذلك من خبر فرعون ما عرفنا به أن عدم الإيمان بوحي الله ليس إلا أثر الكبر والعنجهية.