يا سامِرِيُ) أي ما حملك على ما صنعت ، وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت ، والمعني الحرفي هو : ما أمرك الذي تخاطب عليه يا سامري (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي علمت ما لم يعلمه بنو إسرائيل (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها) أي فطرحتها (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي زينت لي نفسي أن أفعله ففعلته اتباعا لهواي ، وهو اعتراف بالخطأ واعتذار ، وليس توبة واستعدادا لقبول العقاب (قالَ) أي موسى (فَاذْهَبْ) أي من بيننا طريدا (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) أي ما عشت (أَنْ تَقُولَ) لمن أراد مخالطتك جاهلا بمالك (لا مِساسَ) أي لا يمسني أحد ، ولا أمسه ولنا عودة على هذا الموضوع (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذاك في الدنيا (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) أي معبودك العجل (الَّذِي ظَلْتَ) أي ظللت (عَلَيْهِ عاكِفاً) أي مقيما على عبادته (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِ) أي في البحر (نَسْفاً) أي لنذرينه في البحر تذرية ، ومن هذا فهم بعض المفسرين أنهم بردوه في المبارد ، ولما كانوا قد قالوا من قبل عن العجل (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) فإن موسى ختم كلامه بقوله (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فليس غيره إلها (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي وسع علمه كل شىء ، ومن كان هذا شأنه فهو وحده المستحق للعبادة ، فأين تغيب عقولكم إذ تعبدون العجل؟! وبهذا قضى موسى على الفتنة وأرجع قومه إلى التوحيد ، وفي ذلك درس لهذه الأمة كيف تقضي على كل انحراف.
كلمة في السياق :
نلاحظ أن قصة موسى جاءت بعد قوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى * اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى * وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ..) وختمت قصة موسى بقوله تعالى : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) إن ذكر قصة موسى بين الآيتين المذكورتين تدليل على أن منزل القرآن وسع علمه كل شىء ، وأنه يعلم السر وأخفى ، كما أن في ذكر قصة موسى التي هي تكليف بالتوحيد ودعوة وحماية له بعد قوله تعالى (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) نموذج على أن ما يدعو إليه القرآن من التوحيد هو دعوة كل الرسل ، ومن ثم فالصلة بين قصة موسى ومقدمة السورة من الوضوح بما لا مزيد عليه ، وتزداد الصلة وضوحا في أذهاننا إذا تذكرنا ما يلي :