موسى إليهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أي ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) لا العجل (فَاتَّبِعُونِي) أي كونوا على ديني الذي هو الحق (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) أي فيما آمركم به ، واتركوا ما أنهاكم عنه ، من عبادة العجل (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) أي حتى يعود إلينا موسى فننظر هل يعبده كما عبدناه ، وهل صدق السامري أو لا ، وهكذا خالفوا هارون في ذلك ، وقد قص الله علينا في سورة الأعراف على لسان هارون قوله (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) وإذن كان موقفهم شديدا وسفيها.
ولنذكر بهذه المناسبة موقف أبي بكر إذ ارتد من ارتد من العرب ، كيف أنه أرجعهم إلى الجادة بحد السيف ، لنعرف لأبي بكر فضله ، وحاشا لله أن يكون في إشارتنا هذه انتقاص من هارون عليهالسلام. فلنر كيف عالج موسى عليهالسلام هذه الفتنة.
بدأ موسى عليهالسلام السيطرة على الموقف بتوجيه اللوم الشديد لأخيه ، بل بتعزيره لما تصوره من تقصيره ، بأن أخذ برأس أخيه يجره إليه كما قص الله علينا ذلك في سورة الأعراف ، وكما يفهم من السياق هنا : (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أي أي شىء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك ، وتلحق بي وتخبرني؟ أو ما منعك أن تتبعني في الغضب لله ، وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ، ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهدا (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) أي الذي قاله له يوم استخلفه وهو (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) كما ورد في سورة الأعراف (قالَ يَا بْنَ أُمَ) قال ابن كثير : ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه ، لأن ذكر الأم ههنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) دل هذا على أن موسى قد أخذ بشعر رأس أخيه وبشعر لحيته غضبا وإنكارا عليه ، لأن الغيرة في الله ملكته ، ثم إن هارون ذكر عذره في عدم قتال من عبد العجل بمن لم يعبده فقال (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) أي ولم تحفظ قولي عند ما استخلفتك وهو كما مر في الأعراف (وَأَصْلِحْ) قال النسفي : وفيه دليل على الاجتهاد. أقول : وفي إنكار موسى على هارون دليل على أن القضاء على الكفر ـ ولو على حساب وحدة الأمة ـ هو الإصلاح ، وليس الإصلاح هو المحافظة على وحدة الأمة مع الكفر ، ثم تابع موسى عليهالسلام عملية السيطرة على الفتنة ، فأقبل على السامري منكرا (قالَ فَما خَطْبُكَ