الذى خلق كل شىء فأحسن خلقه ، فجعل أهدابا تتحرك فى هذا الاتجاه وأخرى تتحرك عكسه.
خلال هذه الرحلة ، لا يصل من ماء الرجل إلا القليل ، حيث يخترق حوين منوى واحد البييضة ، ويعقب ذلك مباشرة حدوث تغير سريع فى غشائها يمنع دخول بقية الحيوانات المنوية. وصلاة وسلاما عليك يا سيدى يا رسول الله يا من عرفت ـ وأنت النبى الأمى ـ وأبلغت الناس بأن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ، فقلت «ما من كل الماء يكون الولد» [صحيح مسلم]. صلاة وسلاما عليك يا من لا ينطق عن الهوى ، فعرفت أن الخلق من الماء من خلال اختيار خاص ، فحددت بكل دقة هذه المعانى التى لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا من بضع عشرات من السنين.
هكذا تكون يد القدرة قد تدخلت واختارت واحدا من هذه الأعداد الهائلة من الحيوانات المنوية لتفتح له البييضة كوة فى جدارها (شكل ١٥) ، فى حين تفشل كل الحيوانات المنوية الأخرى فى الدخول. وتشير بعض الأبحاث أخيرا إلى أن الحيوان المنوى والبييضة يحتاجان لعدة ساعات حتى يكتسبا القدرة على التلاقح والتزاوج.
وهنا قد يثور تساؤل هو : لماذا البييضة كبيرة الحجم بينما الحيوان المنوى متناه فى الصغر؟ (شكل ١٦) ، وردا على ذلك تقول الحقائق العلمية إن البييضة هى أكبر خلية فى جسم الإنسان ، فهى تبلغ فى قطرها ٢٠٠ ميكرون ، بينما لا يزيد الحيوان المنوى عن خمسة ميكرونات. ومع هذا فإن الحيوان المنوى يسهم بنصف مكونات الجنين تماما بنفس قدر إسهام البييضة. وتفسير هذه الظاهرة هيّن ، فالبييضة هى المسئولة عن تغذية هذه النطفة الأمشاج المكونة من كروموسومات الحيوان المنوى (الأب) وكروموسومات البييضة (الأم) ؛ وهى المسئولة عن تغذية النطفة الأمشاج حتى تبلغ مرحلة العلوق بجدار الرحم. وكلمة أمشاج ـ من الناحية العلمية ـ دقيقة تماما ، فهى صفة جمع تصف كلمة «نطفة» المفردة ، والتى هى عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين. ثم تواصل نموها ، وتحتفظ بشكل النطفة ، ولكنها تنقسم إلى خلايا أصغر فأصغر تدعى قسيمات جرثومية (Blastomeres). (شكل ١٧ ، ١٨ ، ١٩).