واهتماما بما خوطب به. و (النَّاسُ) هم الموجودون من المكلّفين لقبح خطاب المعدوم ، وكل من وجدوا بعد ذلك فهم يدخلون في الخطاب بدليل المشاركة. والخطاب مختلف فيه بالنسبة إلى المخاطبين ، بالإضافة إلى الكفّار والبالغين المكلّفين جديدا بإحداث العبادة بشرائطها المتوقفة عليها. وأما بالنسبة إلى المؤمنين فزيادة وتثبيت. (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي الذين خلقهم من قبلكم من الأمم. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يستفاد من الآية الشريفة أن العبادة مقدّمة لتحصيل التقوى التي هي أعلى مراتب العبادة ، أو هي ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات. كما أنه يستفاد من قوله «لعلّكم تتّقون» أنه ينبغي أن يكون العبد بين الرّجاء والخوف لا مغترّا بعمله وفعاله.
٢٢ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) : أي مبسوطة تفترشونها تقعدون عليها وتنامون ، كالفراش. (وَالسَّماءَ بِناءً) أي قبة مضروبة عليكم. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني ماء المطر فإنه ينزل إلى الأرض من جهة السماء سحابا ، أو مما فوق السحاب. (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) أي بسببه. بأن جعله سببا في حياة الأرض. بما فيها من إنسان وحيوان ونبات. (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) بعد ما عرفتم أنه تعالى وليّ نعمكم وخالقكم فلم جعلتم له شركاء وأندادا؟ والندّ : المثل. والندّ فعلا هو المثل المخالف.
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تعرفون أن هذه الأصنام التي جعلتموها أندادا له تعالى لا تقدر على شيء لأنها جمادات.
٢٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) : عبده ، تعالى : هو النبي (ص). وقد تحدّاهم بما نزّله عليه من القرآن الكريم ، فقال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ... في الفصاحة والبلاغة والإعجاز. وأنّى لهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة من القرآن الذي أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء! .. (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي استعينوا بكل من بحضرتكم يعاونكم في الإتيان بسورة مثل سور القرآن ، إن كنتم صادقين في دعواكم بأن محمدا قد جاء به من عند نفسه.
٢٤ ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ، وَلَنْ تَفْعَلُوا) ... إن لم تعملوا الذي تحدّيتكم به (وَلَنْ تَفْعَلُوا) لعجزكم. (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) جنّبوا أنفسكم النار التي وقودها ـ حطبها ـ الناس والحجارة! .. (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) أي خلقت وهيّئت لهم.
٢٥ ـ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ... أخبر المصدّقين ومؤدي فروضهم ونوافلهم (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) حدائق ذات بهجة ومساكن طيبة تجري تحت أشجارها وقصورها مياه الأنهار. والنهر : مجرى الماء الواسع وإسناد الجري إليه من باب المجاز في الإسناد. (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) أي كلّما منّ الله تعالى بثمرة يجتنونها ، (قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) في دار الدنيا. (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) ... أي جيئوا بالثّمر يشبه بعضه بعضا في الاسم الناشئ عن المشابهة في النوع واللون ، ولكنه مخالف في الطعم اللّذيذ والرائحة الزكية. (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) منظّفة أبدان الأزواج من الحيض والأقذار والأدناس الظاهرية والمعنوية. ونقية أخلاقهن من السوء كالحسد والنفاق وشكاسة الطبع وغيرها من الصفات المكروهة. (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون.
٢٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) ... نزلت ردّا على الكفرة والمنافقين الذين قالوا : أما يستحي ربّ محمّد أن يضرب مثلا بالذّباب والعنكبوت؟ .. وحاصل معنى الآية الشريفة أن الله لا يستحيي : يترك حياء وخجلا ، من ضرب المثل بالبعوضة مع حقارتها. وبما فوقها كالذّباب والعنكبوت مع هوانهما وضعفهما ، لفوائد هامّة يدركها الراسخون في العلم. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) يعني أنه مهما يكن من شيء فإنّ المؤمنين يعلمون أنه الحقّ البتّة. والضمير في (أنّه) عائد للمثل والحق : هو الأمر الثابت الذي لا يجوز إنكاره. (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يقولون استحقارا : أيّ شيء أراد وقصد بهذا المثل. (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) الضلالة والهداية متفرعتان عن الجملتين المتصدّرتين بأمّا. فإن العلم بأن الأمثال حقّ ، هداية ، والجهل بأنها في غير موردها ضلالة. (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) الخارجين عن القصد.
٢٧ ـ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ... حدّد صفات فسقهم فهم (يَنْقُضُونَ) أي يردّون ويرفضون (عَهْدَ اللهِ) ما