وأخزاهم بسبب كفرهم. (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) تصديقهم في غاية القلّة أما كلمة (ما) فمزيدة ، وفائدتها التأكيد لما تدخل عليه.
٨٩ ـ (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ... أراد بالكتاب القرآن (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) أي : التوراة ، فإنّ القرآن يصدّق بأنها كتاب سماويّ نزل من عند ربّ العالمين (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) أي قبل ظهور محمّد (ص) بالرسالة والدّعوة ، (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يطلبون الفتح والظّفر والنّصر على المشركين ويقولون : اللهم انصرنا بالنّبيّ المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد وصفه ونعته في التّوراة. (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) حين أتاهم ما عرفوا من الحقّ المذكور في كتابهم ، وهو نعت محمد (ص) وأوصافه الدّالة عليه وعلى نبوّته (كَفَرُوا بِهِ) أنكروه وجحدوه (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) المنكرين الذين صاروا مطرودين من رحمة الله.
٩٠ ـ (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) ... أي بئس الشيء شيئا باعوا به أنفسهم. (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) الجملة بيان ل (ما) الموصولة التي في (بئسما) وهذه هي المخصوصة بالذّم. فالله سبحانه ذمّ اليهود وعابهم لكفرهم بما أنزل على موسى بن عمران (ع) من التوراة التي تصدّق محمدا (ص) وتبيّن أوصافه وعلاماته ، واليهود قد عرفوا ذلك وجحدوه (بَغْياً) أي عدولا عن الحق (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي لأن ينزّل القرآن على محمّد (ص) حيث أبان فيه نبوّته ، وأظهر فيه ، أو به ، آيته التي هي معجزته الباقية إلى الأبد. (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) رجعوا خائبين مستحقّين لغضب فوق غضب. (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) مذلّ.
٩١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ... أي صدّقوا بما أنزل على محمد (ص) أو بكل كتاب أنزله على الرّسل. (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) أي التوراة (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) ينكرون ما دونه من الكتب السماوية كالإنجيل والقرآن (وَهُوَ الْحَقُ) الصادق الثابت الناسخ لما قبله. (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) ومصدقا : حال مؤكدة من مرجع الضمير في : وهو الحق ، وردّ لمقالتهم ، لأنّ كفرهم بما يوافق التوراة ويصدّقها ـ أي القرآن ـ كفر بها أيضا. (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي قل يا محمّد لليهود : لو كنتم مؤمنين بالتوراة وبما فيها فلم تقتلون أنبياء الله في الأعصار الماضية مع أن صريح التوراة حرّم قتل النّفس المحترمة فكيف بالنفوس المقدّسة ، كنفوس النبيّين صلوات الله عليهم أجمعين؟.
٩٢ ـ (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) ... البيّنات هي الآيات التّسع الواضحات التي من أعظمها جعل العصا حيّة ، واليد البيضاء. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) جعلتم العجل إلها بعد انطلاقه لميقات ربه. (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) لأنفسكم بعبادة العجل.
٩٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) ... ألزمناكم بالعهد على أن تفوا به ولا تعبدوا إلّا الله ولا تشركوا به شيئا. (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) : جبل في صحراء سيناء. (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أي قلنا لهم : خذوا ما آتيناكم من الدين وأحكامه وفروضه بعزم وثبات (وَاسْمَعُوا) ما أمرتم به سماع طاعة (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) أي سمعنا ما دعانا إليه محمّد (ص) وما أطعناه. (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) دخل حبّ العجل في أعماقهم كما يدخل الصبغ الثوب فيتخلّله بكافة أجزائه ، وتغلغل في قلوبهم كتغلغل الشّراب في جوف الظمآن (بِكُفْرِهِمْ) بسبب كفرهم. (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) أي التوراة فإنها ليس فيها عبادة عجول ولا أمر بالكفر بالله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بموسى وكتابه كما تزعمون.