الذين يفعلون الواجبات ويلتزمون بالتّروك فقال : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
٨٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ... واذكر يا محمد حيث ألزمناهم إلزاما مؤكدا (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) إخبار معناه النّهي ، وهو أبلغ من صريحه فكأنّه قد سورع إلى امتثاله فأخبر عنه. (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي تحسنون لهما إحسانا. (وَذِي الْقُرْبى) أي بذي القربى ، تصلونه وتحفظون قربه منكم (وَالْيَتامى) أن ترأفوا بهم وتعطفوا عليهم وتعاملوهم بالشفقة (وَالْمَساكِينِ) وأن تؤتوا المساكين حقوقهم المشروعة لهم. والمسكين بوزن مفعيل من السكون. فكأنّ الفقر أسكنهم في بيوتهم أو قعد بهم عن الطّلب وأخجلهم (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) يعني قولا حسنا ، بأن تعاملوهم بالخلق الجميل. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) في أوائل أوقاتها ويتضمن الأمر بإقامتها : إتيانها بجميع شرائطها التي لها دخل في صحتها وكمالها (وَآتُوا الزَّكاةَ) بإيصالها إلى أهلها على ما فرضه الله سبحانه في كتابه (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم أيها اليهود عن الوفاء بالعهد (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) أي من أسلم منكم (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) منصرفون.
٨٤ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) ... أي : يا بني إسرائيل اذكروا حين أخذ العهد على أسلافكم وعلى من يصل إليه هذا الأمر (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) أي لا يريق بعضكم دماء بعض (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أن لا تفعلوا ما يبيح قتلكم وإخراجكم عن بلادكم وأوطانكم. وقد جعل غير الرجل نفسه لاتّصاله به أصلا أو دينا. (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) اعترفتم بذلك الميثاق كما اعترف به أسلافكم (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على إقرار أسلافكم.
٨٥ ـ (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ... أيها المنافقون الناكثون المخاطبون (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) بفعلكم ما يكون سببا لقتلكم ، أو أن المراد : قتل بعضهم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) تظاهرون : تتظاهرون أي تتعاونون عليهم بما هو إثم : أي قبيح يستحقّ فاعله اللّوم عليه. والعدوان : هو الإفراط في الظّلم والتعدّي. (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) يعني أن الذين تخرجونهم من ديارهم ، وتتعاونون على ذلك وعلى ظلمهم وقتلهم ، إن أسرهم أعداؤكم أو أعداؤهم تدفعون عنهم فدية للأعداء ، من أموالكم ، وتأخذونهم من أيديهم بكلّ قيمة وبكل وسيلة كانتا (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) كرّر سبحانه تحريم إخراجهم من ديارهم لئلّا يتوهّم تحريم المفاداة. والضمير في قوله (وَهُوَ) للشأن. (مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ) بصيغة اسم المفعول ورفع قوله (إِخْراجُهُمْ). (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) فالذي أوجب المفاداة هو الذي حرّم القتل وإخراج العباد من ديارهم. فما بالكم تطيعونه في بعض وتعصونه في الآخر؟. (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) ما قصاص من يعمل عملكم (إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي ذل بضرب الجزية عليهم مع ما يستبطن ذلك من الهوان. (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يرجعون إلى عذاب في الآخرة يتفاوت على قدر مراتب معاصيهم ومخالفتهم له سبحانه.
٨٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) : ابتاعوا حظّ الدنيا الفانية وحطامها الزائل ، بنعيم الآخرة الباقية الخالدة (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) فما لهم في الآخرة إلّا النار (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يعانون ويساعدون بدفع العذاب عنهم.
٨٧ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ... أي التوراة (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) أتبعنا به وأرسلنا على أثره الرّسل : الأنبياء ، واحدا بعد واحد (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي المعجزات الواضحة : كإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، والإخبار بالمغيّبات. (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي قوّيناه به. ويقال إن روح القدس هو جبرائيل (ع). وقيل إنه ملك موكّل بحراسة الأنبياء من الحوادث ، وإلهامهم العلوم والمعارف ، وقيل أيضا هو الاسم الأعظم الذي به يحيي الموتى وبه يحصل تنفيذ سائر الأمور الخارقة للعادة. (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) يا معشر اليهود : ما لكم كلّما أرسلنا نبيّا لا يجيئكم بما تحبّون (اسْتَكْبَرْتُمْ) أخذتكم الكبرياء عن اتّباعه وإطاعته (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) كموسى وعيسى عليهماالسلام (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) كما فعل أسلافهم.
٨٨ ـ (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) ... أي مغشاة بأغطية تحول دون وصول ما تقوله يا محمّد لنا. (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أبعدهم من الخير والرّحمة ،