الْأَنْهارُ) أي من الحجارة ما هو أنفع للناس منكم لأنفسكم. فمن الحجارة ما ينبع منه الماء وتفيض العيون (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ينزل ويتردّى من أعالي الجبال خشية وانقيادا وخضوعا وخوفا من الله (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أيّها المكذّبون بآياتي ، الجاحدون لنبوّة خاتم رسلي محمد (ص).
٧٥ ـ (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ... الخطاب للنبيّ (ص) ، ولصحبه. يعني : هل أنتم تحرصون وترغبون بأن يؤمن لكم هؤلاء اليهود ، ويصدّقوا بالنبيّ وكتابه ويقبلوا ما فيه (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) فئة ، منهم ـ أسلافهم ـ كانوا يسمعون كلام الله تعالى على لسان نبيّه موسى (ع) في طور سيناء ، وكانوا يفهمون أوامره ونواهيه وجميع مواعظه ونصائحه ، (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) يغيّرونه ويحوّلونه عن حقيقته ، ويؤوّلونه وفق ميولهم بعد أن كانوا قد فهموا المراد منه. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) علما وجدانيّا أنهم مفترون كذبة فيما ينقلونه لأصحابهم من صفات محمّد (ص) وموعد بعثته.
٧٦ ـ (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ... بمحمد (ص) وبرسالته (قالُوا) أي قال هؤلاء المنافقون : (آمَنَّا) صدّقنا بأن محمدا (ص) على الحق وأنّه المبشّر به في التوراة. (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) جمعتهم خلوة مع أقرانهم من منافقي اليهود ـ بعيدا عنكم ـ قال المنافقون لأندادهم ممّن قابلوا المؤمنين : لم حدّثتم المؤمنين بمحمّد بما بيّن الله لكم في التّوراة من صفاته؟. ولم أخبرتموهم بذلك وفتحتم لهم باب الاحتجاج عليكم وعلينا ـ اليوم وفي يوم القيامة ـ حين أظهرتم لهم ما نطق به كتابكم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) وتدركون أن الذي اعترفتم به لهم ، صار حجة في يدهم علينا جميعا عند ربّنا!.
٧٧ ـ (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) ... أفلا يعرف اليهود القائلون لإخوانهم : أتحدّثونهم بالحقّ ليحاجّوكم به أنّ الله يعرف (ما يُسِرُّونَ) ما تحكونه في سرّكم ، وما تضمرونه من عداوة محمّد (وَما يُعْلِنُونَ) من إيمانكم الكاذب لأنكم تظهرون الإيمان وتبطنون الكفر ..
٧٨ ـ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) ... جاهلون للقراءة والكتابة (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) أي التوراة (إِلَّا أَمانِيَ) جمع : أمنية ، وهي التعليل بالكذب ، فهم لا يعرفون من التوراة إلّا أكاذيب أحبارهم المختلقة (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) بما يقلّدون به رؤساءهم.
٧٩ ـ (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ... الويل : حلول الشّر. والهلاك. أو أدنى وأسوأ بقاع جهنم ، والمراد بالذين يكتبون الكتاب : اليهود. أي الذين يكتبون التوراة المحرّفة ، بأيديهم ـ تأكيدا ، كما يقال : رآه بعينه ، وسمعه بأذنه. (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وذلك أنهم كتبوا صفات النبي (ص) عن التوراة بعد ما حرّفوها ، ثمّ نسبوها إلى التوراة المنزلة. (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي ليعتاضوا بما يأخذونه من أعراض الدنيا. كالهدايا والرّشى والوجاهة ، وغير ذلك مما هو قليل زائل مهما كان جليلا. (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الحرام ، والمعاصي بإزاء هذه المقالات الكاذبة.
٨٠ ـ (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) ... هذا جوابهم لذوي أرحامهم حين سألوهم : لم تفعلون هذا النفاق مع أنكم تنالون غضب الله وسخطه وستخلدون في النار؟. فأجابوا قائلين : ليس الأمر كما تزعمون ، ولن يعذّبنا الله بالنار (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) كمقدار ما عبدنا العجل ـ أربعين يوما ـ ثم نصير إلى الجنان. (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) أي : يا محمّد قل لهؤلاء المنافقين : بأي برهان تستدلّون على دعواكم الباطلة؟. هل عقدتم مع الله سبحانه عهدا بأن لا يعذّبكم إلّا بمقدار ما عبدتم العجل؟. (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أم تدّعون الكذب وتفترون على الله؟. ما ليس لكم به علم.
٨١ ـ (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) ... نعم قد تمسّكم النار ، أنتم وكل (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) عمل عملا قبيحا وفعلا شنيعا (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) طوّقته من جميع نواحيه. (فَأُولئِكَ) أي المرتكبون للسيئات ، الذين تحيط بهم خطاياهم ، هم (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنّ نيّاتهم في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا.
٨٢ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ... لمّا توعّد الله المسيئين الخاطئين بالنار ، ثنّى بوعده الكريم للمؤمنين