فنهوا عن التديّن به (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) الله بترك مخالفته (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وباشروا الأمور على وجهها الذي ينبغي أن تباشر عليه. ومن ذلك أخذ معالم دينكم عن أهلها فهم أبواب الله وقد قال النبيّ (ص): أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها. (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع أموركم وأحوالكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجحون في الوصول إلى ثوابه وتنالون رضوانه.
١٩٠ ـ (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ... قاتلوا في سبيل ترويج دين الله وتبليغ أحكامه الكفار الذين يقاتلونكم ليصدوا عن هذا السبيل. (وَلا تَعْتَدُوا) لا تتجاوزوا قتال من هو من أهل القتال إلى التعدّي على غيرهم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المتجاوزين حدوده.
١٩١ ـ (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ... يعني اقتلوهم أينما وجدتموهم وظفرتم بهم. (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها. (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) للفتنة معان متعددة والمراد بها هنا الشرك بالله وهو أعظم من القتل لهم حيث وجدتموهم. (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي لا تبادروهم بالقتال ولا تبدأوا بحرب الكفرة وهتك الحرم (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) أي حتى يفتتحوا هم القتال ويبدءوا به (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) فإن بدأوكم بالقتال في الحرم فقاتلوهم واقتلوهم فيه. (كَذلِكَ) الإخراج والقتل (جَزاءُ الْكافِرِينَ) عقابهم لما فعلوا بكم.
١٩٢ ـ (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : فإن تركوا الشّرك والقتال وتابوا ، فالله تعالى يغفر لهم ويرحمهم.
١٩٣ ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ... أي شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) أي حتى لا تكون العبادة لغير الله. (فَإِنِ انْتَهَوْا) امتنعوا عن الشّرك وأذعنوا للإسلام (فَلا عُدْوانَ) لا عقوبة قتل. (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) المستمرّين على الكفر والنّفاق. وقد سمّى القتل عدوانا لأنه عقوبة على العدوان.
١٩٤ ـ (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) ... المراد بالشهر الحرام ذو القعدة الذي صد فيه المشركون المسلمين عن البيت وأداء مناسكهم عام ست للهجرة مع تعهدهم بترك المسلمين يؤدون مناسكهم في نفس الشهر من قابل فالله سبحانه يقول : إذا لم يفوا بما تعهدوا به في قابل لكم فاقتلوهم ولو كان الشهر حراما فيه القتال لأن هذا الشهر بذاك الشهر الحرام السالف. (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) جمع حرمة أي لكل ما يجب احترامه إذا انتهك أن يقتص بمثله. (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فجازوه بمثل فعله. (وَاتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) يعينهم ويصونهم من جميع الحوادث ويصلح أمورهم الدنيويّة والأخرويّة.
١٩٥ ـ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ... ابذلوا أموالكم في الطريق المؤدية إلى ثواب الله ورحمته ومنها الجهاد. (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولا تهلكوا أنفسكم بأيديكم بترك البذل في تهيئة مقدمات الحرب مع الكفار وتمويلها فيتسلطون عليكم ويقتلونكم والتهلكة هي الهلاك. (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قيل : معناه أحسنوا الظن بالله يبرّ بكم أو أحسنوا بالعود على المحتاج فإن الله يثيبكم على كل ذلك. وقيل : المحسنين المقتصدين في الإنفاق بلا تبذير ولا تقتير.
١٩٦ ـ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ... اكملوهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كل ماله دخل فيهما متقربين بذلك إلى الله. (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي منعتم وحبستم عن الذهاب إلى الحج وأنتم محرمون بحجّ أو بعمرة (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) يعني قدّموا ما تيسّر من الهدي للذبح والنّحر والهدي إما جزور أو بقرة أو شاة. هذا إذا أردتم الإحلال من الإحرام (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي لا تتحلّلوا ما دام الهدي لم يصل إلى محلّه لذبحه أو نحوه. ومحلّه في المحصر بالمرض منى يوم النّحر ، وهذا للحاجّ. وأمّا المعتمر فيذبح في مكة. وفي الممنوع من قبل العدو المكان الذي أحصر فيه. (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) مرضا محوجا للحلق (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) كقمل أو جراحة (فَفِدْيَةٌ) أي فليحلق وتجب عليه حينئذ بدل على التخيير (مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ) والصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، وروي أنها على عشرة. (أَوْ نُسُكٍ) ذبح شاة. (فَإِذا أَمِنْتُمْ) العدو (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى