الْحَجِ) أي استمتع بعد التحلّل من عمرته باستباحة ما كان حراما عليه إلى أن يحرم بالحج ، (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي فعليه ما تيسّر له من الهدي يذبحه بمنى يوم العيد. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الهدي ولا ثمنه (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) أي يوم السابع من ذي الحجة والثامن والتاسع ، فإن فاته فيها شيء فبعد أيام التشريق من ذي الحجة (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) إلى أوطانكم تصومونها. (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) أي لا تنقص (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي أن ما ذكر من التمتّع بالعمرة إلى الحج للنائي. وهو من يكون بينه وبين مكة أكثر من اثني عشر ميلا من تمام الجهات. (وَاتَّقُوا اللهَ) بالمحافظة على أوامره ونواهيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالفه فيها.
١٩٧ ـ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ... أي أن وقته في شهور معروفة لدى الشارع الأقدس ، وهي شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة. فاستبدالها بغيرها هو من النسيء الذي عدّه الله زيادة في الكفر. (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) فمن أحرم فيهن بالحج (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) الرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسّباب ، والجدال : قول الرجل لا والله ، وبلى والله. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) فلا يضيعه بل يثيب عليه. (وَتَزَوَّدُوا) أي حصّلوا الزاد لآخرتكم بتقوى الله (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) هذه الجملة علّة لكون التزوّد للآخرة يكون بتقوى الله. (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا أصحاب العقول تجنّبوا غضبي.
١٩٨ ـ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ... أي ليس عليكم حرج أن تطلبوا رزقا من الله في زمن حجّكم بالتجارة والإجارة وغيرهما. (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي اندفعتم من جبل عرفات بعد الموقف (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) فاذكروا الله عند وصولكم للمزدلفة وهي المشعر الحرام. والذكر هو الثناء والشكر على نعمة الهداية وهذا الذكر واجب للأمر به ، وظاهر الأمر هو الوجوب. والذكر فيه يلازم الكون فيه ، ولذا يقول علماؤنا : إن الوقوف فيه واجب ... (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أي لهدايته إياكم إلى الإسلام. (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) أي وإنكم كنتم قبل الهدى لمن الضالين عن الحق.
١٩٩ ـ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ... والخطاب لقريش. أي يا معشر قريش أفيضوا من الجهة التي أفاض الناس. حيث : ظرف مكان مبنيّ على الضمّ ، وترد للزمان أيضا. والإفاضة : هي الاندفاع بشدّة. وكانت قريش وحلفاؤها يقفون بجمع ـ أي المزدلفة ـ ولا يقفون مع سائر الناس بعرفات ترفعا عليهم ، فأمروا بمساواتهم ومشاركتهم في الخروج إلى عرفات أولا ، ومنها إلى المشعر الحرام ، ومنه إلى منى. (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) اطلبوا المغفرة منه تعالى لما كان يصدر منكم من المعاصي ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كثير المغفرة واسع الرحمة.
٢٠٠ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) ... إذا أدّبتم عبادات الحج وأعماله المقررة في الشرع (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) أي فأكثروا ذكر الله بالدعاء وغيره كما كنتم تفعلون في ذكر آبائكم وتعداد مفاخرهم في جاهليّتهم (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) أي زيدوا في ذكر آلائه وشكر نعمائه. (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) بيّن سبحانه أن من أصناف الناس في أماكن الحج ومواقفه صنفا لا يطلب منه تعالى إلا الدنيا. وهذا الصنف قد يعطيه الله ما سأل. (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) الخلاق ، كسحاب هو النّصيب الوافر من الخير ، أي ليس له في الآخرة نصيب من الخير.
٢٠١ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) ... منهم من يسألونه تعالى الحسنتين ويقولون (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) فهؤلاء يطلبون لأنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.
٢٠٢ ـ (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ) ... إشارة إلى الداعين بطلب الحسنتين. ويجوز أن تكون الإشارة للطرفين ، فلكلّ نصيب (مِمَّا كَسَبُوا) أي من سنخ ما طلبوه قولا أو عملا. (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) قادر على مجازاة الناس يوم القيامة في قدر لمحة عين كما ورد في الخبر.