٢١٦ ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) : ... فرض عليكم قتال الكفار وهو مكروه من نفوسكم وتنفر منه طباعكم لخطورته ومشقته. (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي لعلكم تكرهون شيئا في الحال وهو خير لكم في المآل ، كالقتال فإن فيه إحدى الحسنيين النصر أو الاستشهاد. (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) كالقعود عن الجهاد حبا للحياة وفيه الشرّ لكم إذ فيه الذلّ في الدنيا ، وحرمان الأجر والثواب في العقبى (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) يعرف ما فيه صلاحكم وفسادكم في الدارين ، وأنتم لا تعرفون ذلك.
٢١٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) ... عرفت الأشهر الحرم سابقا ، وعرفت أن القتال فيها حرام في الإسلام كما كان حراما قبل الإسلام. والمعنى : أنهم يسألونك يا محمد عن القتال في الشهر الحرام ، أي رجب : (قِتالٍ فِيهِ)؟. هل فيه قتال؟ (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ) فأجبهم أن القتال في الشهر الحرام ذنب عظيم ومنع عن اتّباع صراط الله المستقيم (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عن زيارة المسجد الحرام لأداء المناسك. (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) أي أن تهجير النبيّ والمؤمنين من مكة أعظم وزرا عند الله من القتل والقتال ، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) مر تفسيرها. (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) ... يخبر سبحانه نبيّه (ص) والمؤمنين بدوام عداوة كفار مكة التي ترمي إلى إرجاعكم عن دينكم وصرفكم عن الإسلام لتعودوا إلى الجاهلية والكفر إن قدروا على ذلك ولن يقدروا. (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) أي أن من انصرف عن دين الحق ومات على الرّدة (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي فسدت فلا ثواب عليها في الآخرة وبالارتداد تفوت فوائدها الدنيوية أيضا. (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) والمرتدّون إذا ماتوا على الرّدة يكونون كافرين ويلحقون بهم في الخلود بالعذاب.
٢١٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ... صدّقوا الله ورسوله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) وتركوا أوطانهم (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وقاتلوا في إحياء دين الله الذين هم عليه ، (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يأملونها. والتعبير بالرجاء للتنبيه على أن العبد لا بدّ وأن يكون في جميع أحواله وأعماله بين الخوف والرجاء. لا يغترّ بأعماله العباديّة ولا ييأس من رحمة الله فالله عند حسن ظن عبده فهو كثير المغفرة واسع الرحمة.
٢١٩ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) ... أي عن حكم شربه وسائر أشكال تعاطيه (وَالْمَيْسِرِ) أي حكم القمار. فيا محمد (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) أي وزر عظيم لأنهما مفتاح الشرّ ، (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) دنيويّة : ككسب المال وتحصيل النشوة (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) لأنهما من الكبائر التي توجب الخلود في النار وفي الآخرة ولأنهما مفتاح كل شر في الدنيا والشرّ الدائم المستمر أحرى بالاهتمام من المنفعة الجزئية الآنية. (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) : ... العفو هو ما فضل الأهل والعيال. وقيل هو الوسط بين الإسراف والتقتير ، وقيل هو خيار المال. (كَذلِكَ) أي مثل ما بيّن أمر الخمر والميسر والنّفقة (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعني يوضح لكم الحجج في سائر الأحكام (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لكي تتدبروا وتتأملوا فيما يتعلق بكم من شؤون الدارين.