٢١١ ـ (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) : ... سل يا محمد أولاد يعقوب وهم اليهود سؤال تقرير لتأكيد الحجة عليهم كم أعطيناهم من حجة واضحة ذكرت في كتبهم على صدقك ونبوتك. (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) أي فكفروا بتلك الآيات وحرفوها عن وجوهها الصحيحة بعد معرفتهم بها ، (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فالله يوردهم أشد العذاب لما صدر عنهم من تحريف وكفران.
٢١٢ ـ (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) ... أي بسبب كفرهم واتباعهم للشيطان جملت وحسنت الحياة الدّنيا بنظر الكفّار وأشربوا حبّها في أعماقهم. (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ووجه استهزائهم بالمؤمنين إمّا لفقرهم ، وإمّا لزهدهم في الدنيا ، (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) والذين تجنبوا معاصيه واتّبعوا مراضيه هم في الآخرة في عليين والكفار في سجّين ولذا فسوف يسخر المؤمنون منهم وهم على حالهم هذه من الذل والهوان والعذاب كما قال تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ). (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) يعطي الكثير الذي لا يحصره حساب.
٢١٣ ـ (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ... أي أن أولاد آدم كانوا أهل دين واحد وملّة واحدة بعد آدم (ع) ، وهو دين الله الذي بعث به آدم واتّبعه صالحو ذرّيته. فلمّا توفّاه الله وتلاعبت بذريته الأهواء والغرائز فاختلفوا. (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) فأرسل الله إليهم رسله مبشّرين بالجنّة لمن أطاعهم في أمر الله ، ومنذرين بالنّار لمن عصاهم (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ) وأنزل مع كلّ نبيّ كتابا بالصدق والعدل. وقيل إنه أنزل مع بعضهم ولم ينزل مع كلّ نبيّ كتاب. وقوله (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي الله تعالى يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه من الحق قبل إنزاله. (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) وما اختلف في الحق إلا الذين أعطوا العلم به كاليهود فإنهم كتموا صفات محمد (ص) بعد ما أعطوا العلم به (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أي الحجج الواضحة ، وقيل التوراة والإنجيل (بَغْياً بَيْنَهُمْ) يعني : ظلما وحسدا وطلبا للرئاسة (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) بيان لما قبله ، هداهم لذلك (بِإِذْنِهِ) بعلمه (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي يرشد إلى الإسلام من فيه القابلية للهداية.
٢١٤ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) ... والمعنى : بل أظننتم وخلتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة قبل أن تمتحنوا بمثل ما امتحن به من مضى من المؤمنين قبلكم فتصبروا كما صبروا؟ ثم فصّل ما أصاب من قبلهم من المؤمنين : وأم منقطعة وهمزتها للإنكار ، ومعناها هنا : بل حسبتم ، أي : لا تحسبوا. (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) وقيل : الأول هو القتل ، والثاني هو الفقر. (وَزُلْزِلُوا) أي اضطربوا وأقلقوا من شدّة ما أصيبوا به من أنواع البلايا. (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) يقولون عند تطويل مدة المصائب متى يأتي النّصر الذي وعدناه (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) لفظة : ألا ، للاستفتاح ، وتدل على تحقّق ما بعدها. فقيل لهم إجابة لطلبهم : عاجل النّصر ممّن النّصر بيده.
٢١٥ ـ (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) ... أي أيّ شيء ينفق في سبيله تعالى ، (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي ما بذلتموه من مال ، (فَلِلْوالِدَيْنِ ، وَالْأَقْرَبِينَ ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ) فهؤلاء ينفق عليهم كجواب عمّا سألوك عنه واختصاص هؤلاء لبيان أكمل مصارف النفقة وأتمّها. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) ما تعملوا من عمل صالح يقرّبكم إلى الله ، (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) يعرفه ويجازيكم عليه.