٣٠ ـ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ...) أي ما عملت من طاعة في الدنيا تجد ثوابه حاضرا (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ، تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) أي كذلك ما عملت من معصية في الدنيا تجد عقابه حاضرا تحب أن يفصلها عنه وقت بعيد أو مسافة بعيدة كناية عن الندم على فعل ما سببه من معصية (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) مر تفسيره (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) أي رحيم.
٣١ ـ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ...) قل لهم يا محمد : إن كنتم محبين لله حقّا فاتبعوني فيما جئتكم به من عنده يحبكم الله ويرضى عنكم ويتجاوز عن خطاياكم فهو كثير المغفرة واسع الرحمة.
٣٢ ـ (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ...) قل لهم يا محمد أطيعوا الله إن كنتم صادقين في إيمانكم به ومحبتكم له وأطيعوا الرسول فيما جاءكم به عن ربه من دين وكتاب لأن الطاعة لازمة لذلك (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن ذلك (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) فإن ذلك يكشف عن كذبهم فيما يدعونه بل هم على كفرهم والله يبغض الكافرين.
٣٣ ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) أي اختار وانتجب آدم ونوحا للنبوّة والإمامة (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) كذلك ... وآل إبراهيم هم : إسماعيل وإسحاق ومن ولد منهما ، فدخل فيهم نبيّنا (ص) وآله (ع). وآل عمران هم : موسى وهارون.
٣٤ ـ (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) والذريّة الأعقاب والأولاد والمعنى : أنهم ذريّة واحدة متناسلة متشعبة متسلسلة من لدن آدم وإبراهيم (ع) إلى عصر خاتم النبيّين (ص) (وَاللهُ سَمِيعٌ) للأقوال (عَلِيمٌ) بالأعمال.
٣٥ ـ (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ ...) امرأة عمران بن الهشم من ولد سليمان (ع) هي أم مريم البتول وجدّة عيسى (ع) واسمها حنّة واسم أبيها فاقوذ. وقد قالت أم مريم (ع) : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) أي إنني رصدت حملي ووهبته لخدمتك مستخلصا لطاعتك وعمارة بيتك. (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) نذري قبول رضىّ (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : مر تفسيره.
٣٦ ـ (فَلَمَّا وَضَعَتْها ...) فلما ولدتها (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) قالت ذلك في نفسها تحسّرا وخشية أن لا يقبل نذرها ، لأنه ما كان ليقبل في خدمة المعبد إلّا الغلام في ذلك العصر (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) لأنه هو الذي خلقها والجملة معترضة من كلامه سبحانه. (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) أي أن الأنثى لا تصلح لما تعلق به النذر وهو التحرير لخدمة بيت المقدس لما يعتريها من الحيض وأشباهه وكانت العادة عندهم جرت على ذلك. (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) عطف على إني وضعتها ، ومريم معناه في لغتهم العابدة والخادمة (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) أي أحميها بك ومن يتناسل منها من الشيطان المطرود.
٣٧ ـ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ ...) أي رضي بها في النّذر مكان الذكر ، ولم يتقبّل إلى ذلك اليوم غيرها للسّدانة ، وقيل : القبول الحسن انه سلك بها طريق السعداء (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أي يسرّ لها تربية صالحة تناسب شأنها. (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أي جعل أمر كفالتها بيده ، فقام بأمرها وعند ما كبرت بنى لها مكانا خاصا للعبادة في المسجد كان لا يدخله إلا هو ، ليحمل لها الطعام والشراب. (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) أي الغرفة التي أفردها لها للعبادة (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) والرزق كل ما ينتفع به ، فلا اختصاص له بالمأكول والمشروب ، ولكن قيل كان زكريا (ع) يجد عند دخوله عليها فاكهة الشتاء في الصيف ، وبالعكس. (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) أي من أين هذا الرزق (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي من الجنة (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) مر تفسيره.