٢٣ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ...) أي : ألم تعلم يا محمد بحال الناس وقيل أنهم اليهود ممن أعطوا حظا من العلم بالتوراة (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) التوراة وقيل القرآن دعوا إليه (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) أي ليحكم نبينا (ص) عليهم بكتابهم ، قيل في إنكارهم لنبوته (ص). وقيل في أمر إبراهيم وقد ادعوا أنه كان يهوديا أو نصرانيا وقيل في حكم الرجم على الزنا لواقعة حصلت. (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي تنصرف طائفة منهم عن قبول الدعوة حال كونهم معرضين عن الله وعن الرسول (ص).
٢٤ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ ...) وعلة إعراضهم عن الحق وتوليهم عن دعوته أنهم زعموا أن النار لن تصل إليهم (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي قلائل قيل إنها بزعمهم الأيام التي عبدوا فيها العجل ، (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي أطمعهم كذبهم على الله وافتراؤهم عليه كقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه أو لن تمسنا النار إلخ فكان طمعهم فيما لا يصح وبما هو باطل حاكوه بأنفسهم وكرروه حتى أذعنوا له وركنوا إليه.
٢٥ ـ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ..) أي فكيف حالهم ، وما هو مقالهم إذا حشرناهم للحساب والجزاء يوم القيامة الذي لا شك فيه (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي جوزيت جزاء وافيا موافقا لما كسبته في دار الدنيا. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقص من ثوابهم ، ولا يزاد على ما استحقوه من عقاب جهنمي وحينئذ سينكشف كذب ما زعموه من أن النار لن تمسّهم.
٢٦ ـ (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ..) يا الله مالك أمر الدنيا والآخرة وقيل : مالك العباد وما ملكوا (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) أي تعطيه لمن تشاء أن تعطيه (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) تسترده منه بموت أو بانتقال منه إلى غيره ونحوهما حسبما تقتضيه الحكمة في كل من الإعطاء والمنع (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) تسترده منه بموت أو بانتقال منه إلى غيره ونحوهما حسبما تقتضيه الحكمة في كل من الإعطاء والمنع (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بأن توفّقه لتحصيل الخير والسعادة (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بسلب نعمتك عنه ، (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) تملكه وتمنحه من شئت (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ذو قدرة مطلقة على جميع الأشياء.
٢٧ ـ (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ...) تولج : أي تدخل فأنت يا رب تدخل من الليل في النهار ، وتدخل من النهار في الليل فما زاد في أحدهما فهو نقص في الآخر. (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كإخراج الفرخ من البيضة وبالعكس ، أو المنيّ من الإنسان وبالعكس. ومن المرويّ عن الباقرين (ع) في المجمع أنه إخراج المؤمن من الكافر ، وبالعكس. (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي تعطي من تشاء أن ترزقه بغير تقتير ولا مراعاة لمقدار الرزق. وهو عبارة عن الرزق الواسع.
٢٨ ـ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ...) نهى سبحانه المؤمنين عن موالاة الكافرين ، أي محبتهم أو جعلهم أولياء أمرهم ومخالفتهم كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، بل يجب أن تكون الموالاة لإخوانهم المؤمنين (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) يختار الكفرة بموالاته (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) يعني أن الله بريء منه. (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) أي لا توادّوهم وتداروهم إلّا في حال خوفكم من ناحيتهم لاتقاء ضررهم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي يخوّفكم مغبّة ذلك حتى لا تتعرضوا لسخطه سبحانه حين توالون أعداءه. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ). أي إليه المرجع الأخير.
٢٩ ـ (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) : يا محمد قل إن تستروا ما في قلوبكم أو تظهروه فالله يعرفه فإياكم أن تضمروا ما نهاكم الله عن إظهاره من موالاة الكافرين فلن ينفعكم إخفاؤه لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : مر تفسيره.