من حال إلى حال ، وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه الأذهان ، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة ، والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها. دع الأسماع والأبصار والأطراف وسائر الجوارح ، وتأتيها لما خلقت له ، وما سوى في الأعظم من المفاصل للانعطاف والتثني ، فإنه إذا جسامنها شىء جاء العجز ، وإذا استرخى أناخ الذل فتبارك الله أحسن الخالقين ، وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في أنفسكم ضعيف ؛ لأنه يفضي إلى تقديم ما في حيز الاستفهام على حرف الاستفهام). (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي : أفلا تنظرون نظر من يعتبر (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي : في المطر ؛ لأنه سبب الأقوات (وَما تُوعَدُونَ) قال النسفي : أي : الجنة ، فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش ، وقال : أو أراد أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدونه في العقبى كله مقدور مكتوب في السماء ، والتفسير الأول هو الذي اقتصر عليه ابن كثير. (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ) أي : الموعود (لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي : مثل نطقكم ، قال ابن كثير : (يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة ، وهو حق لا مرية فيه فلا تشكوا فيه ، كما أنكم لا تشكون في نطقكم حين تنطقون) ، قال الألوسي في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (أي مثل نطقكم ، كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في حقية ذلك ، وهذا كقول الناس إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع).
كلمة في السياق :
١ ـ إن فهم قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ* إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ* يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) يتوقف عليه شىء كثير في فهم السياق الخاص والعام للسورة ، لقد رأينا أن قتادة ذكر أن الخطاب في هذا النص للكافرين ، وأن الضمير في كلمة (عنه) يعود إلى القرآن ، وأن القول المختلف هو : في القرآن ، وعلى هذا القول فإن السياق يقرر اختلاف الكافرين في القرآن ، وانصرافهم عنه ، وإذ يتقرر ذلك فإن الله عزوجل يبين استحقاق الكافرين المرتابين الجاهلين الغافلين للقتل في الدنيا والعذاب في الآخرة. وأما المتقون فإن لهم الجنات والعيون بسبب إحسانهم الموصوف في السورة. وصلة ذلك بمحور السورة واضح ، من حيث إن محور السورة هو قوله تعالى : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ