أما ترى رأسي حاكى لونه |
|
طرة صبح تحت أذيال الدجى |
(فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) أي بعد تذكر الأمر بالإعراض كما عليه جمهور المفسرين. وقال أبو مسلم: المعنى بعد أن تذكرهم بدعائك إياهم إلى الدين ونهيك لهم عن الخوض في الآيات وليس بشيء.
وجوز الزمخشري أن تكون (الذِّكْرى) بمعنى تذكير الله تعالى إياه وأن المعنى وإن كان الشيطان ينسيك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول فلا تقعد بعد أن ذكرناك قبحها ونبهناك عليه ، ولا يخفى أنه وجه بعيد مبني على قاعدة القبح والحسن التي هدمتها معاول أفكار العلماء الراسخين ، ثم إنا لا نسلم أن مجالسة المستهزئين مما ينكره العقول مطلقا ، وذكر ابن المنير أن اللائق على ما قال ـ وإن أنساك ـ دون (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ) على أن إنساء الشيطان إن صح فعن السمعي أيسر ، وليس هذا أول خوض من الزمخشري في تأويل الآيات بل ذلك دأبه (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي معهم فوضع المظهر موضع المضمر نعيا عليهم أنهم بذلك الخوض ظالمون واضعون للتكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم راسخون في ذلك ، وفي الآية ـ كما قال غير واحد ـ إيذان بعدم تكليف الناسي ، وهذه من المسائل المتنازع فيها بينهم وعنونوها بمسألة تكليف الغافل وعدوا منه الناسي. وللأشعري فيها قولان وصوب عدم التكليف لعدم الفائدة فيه أصلا بخلاف التكليف بالمحال.
ونقل ابن برهان في الأوسط عن الفقهاء القول بصحة تكليفه على معنى ثبوت الفعل بالذمة ، وعن المتكلمين المنع إذ لا يتصور ذلك عندهم ، وقد يظن أن الشافعي لنصه على تكليف السكران يرى تكليف الغافل وهو من بعض الظن فإنه إنما كلف السكران عقوبة له لأنه تسبب بمحرم حصل باختياره ولهذا وجب عليه الحد بخلاف الغافل. وأورد على القول بالامتناع أن العبد مكلف بمعرفة الله تعالى بدون العلم بالأمر وذلك لأن الأمر بمعرفته سبحانه وارد فلا جائز أن يكون واردا بعد حصولها لامتناع تحصيل الحاصل فيكون واردا قبله فيستحيل الإطلاق على هذا الأمر لأن معرفة أمره تعالى بدون معرفته سبحانه مستحيل فقد كلف معرفة الله تعالى مع غفلته عن ذلك التكليف.
وأجيب : بأن المعرفة الإجمالية كافية في انتفاء الغفلة والمكلف به هو المعرفة التفصيلية أو بأن شرط التكليف إنما هو فهم المكلف له بأن يفهم الخطاب قدر ما يتوقف عليه الامتثال لا بأن يصدق بتكليفه وإلا لزم الدور وعدم تكليف الكفار وهو هنا قد فهم ذلك وإن لم يصدق به. وصاحب المنهاج تبعا لصاحب الحاصل أجاب بأن التكليف بمعرفة الله تعالى خارج عن القاعدة بالإجماع ، وتمام البحث يطلب من كتب الأصول. (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) قال أبو جعفر عليه الرحمة : لما نزلت (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) إلخ قال المسلمون : لئن كنا نقول كلما استهزأ المشركون بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت فنزلت : أي وما يلزم الذين يتقون قبائح إعمال الخائضين وأحوالهم.
(مِنْ حِسابِهِمْ) أي مما يحاسب الخائضون الظالمون عليه من الجرائر (مِنْ شَيْءٍ) أي شيء ما على أن من زائدة للاستغراق و «شيء» في محل الرفع مبتدأ وما تميمية أو اسم لها وهي حجازية و (مِنْ حِسابِهِمْ) كما قال أبو البقاء حال منه لأن نعت النكرة إذا قدم عليها أعرب حالا. وليست (مِنْ) بمعنى الأجل خلافا لمن تكلفه.
و (عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) متعلق بمحذوف مرفوع وقع خبرا للمبتدإ أو لما الحجازية على رأي من لا يجيز إعمالها في الخبر المقدم مطلقا أو منصوب وقع خبرا لما على رأي من يجوز إعمالها في الخبر المقدم عند كونه ظرفا أو حرف جر.
(وَلكِنْ ذِكْرى) استدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم أن يذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما