كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية. ومن دون الله متعلق بمحذوف وقع حالا من «ولي» ، وقيل : خبرا لليس ، و (لَها) حينئذ متعلق بمحذوف على البيان ، ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء ، والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع (وَإِنْ تَعْدِلْ) أي إن تفد تلك النفس (كُلَّ عَدْلٍ) أي كل فداء. و «كل» نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به ، وقيل : إنه صفة لمحذوف وهو بمعنى الكامل كقولك : هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية. والتقدير عدلا كل عدل. ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والإضافة إلى مثل المتبوع نعتا لا توكيدا كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفه.
وقوله تعالى : (لا يُؤْخَذْ مِنْها) جواب الشرط ، والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس بمأخوذ بخلافه في قوله تعالى : (لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) [البقرة : ٤٨] فإنه فيه بمعنى المفدى به ، وجوز كون الإسناد إلى ضميره مرادا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور ، وبذلك يستغنى أيضا عن القول بكونه راجعا إلى المعدول به المأخوذ من السياق.
وقيل : معنى الآية وإن تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا (أُولئِكَ) أي المتخذون دينهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا (الَّذِينَ أُبْسِلُوا) أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للإبسال (بِما كَسَبُوا) أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة. واسم الإشارة مبتدأ ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال ، وخبره الموصول بعده ، والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك.
وقوله سبحانه (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) استئناف آخر مبين لكيفية الإبسال المذكور مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل : ما ذا لهم حين أبسلوا؟ فقيل : لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) بنار تشتعل بأبدانهم كما هو المتبادر من العذاب (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا ، ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في القاموس. وجوز أبو البقاء أن تكون جملة (لَهُمْ شَرابٌ) حالا من ضمير (أُبْسِلُوا) وأن تكون خبرا لاسم الإشارة ويكون (الَّذِينَ) نعتا له أو بدلا منه. وأن تكون خبرا ثانيا. واختار كما يشير إليه كلامه أن تكون الإشارة إلى النفس المدلول عليها بنفس وجعلت الجملة لبيان تبعة الإبسال. واختار كثير من المحققين ما أشرنا إليه.
وترتيب ما ذكر من العذابين على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضا حسبما ينطق به قوله سبحانه (بِما كَسَبُوا) لأنه العمدة في أسباب العذاب والأهم في باب التحذير أو أريد ـ كما قيل ـ : بكفرهم ما هو أعم منه ومن مستتبعاته من المعاصي.
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدي أن المشركين قالوا للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد صلىاللهعليهوسلم فقال الله تعالى : (قُلْ) إلخ.
وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأصنام. وفي توجيه الأمر إليه صلىاللهعليهوسلم ما لا يخفى من تعظيم شأن المؤمنين أو أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي أنعبد متجاوزين عبادة الله تعالى الجامع لجميع صفات الألوهية التي من جملتها القدرة على النفع والضر ما لا يقدر على نفعنا إن عبدناه ولا على ضرنا إذا تركناه ، وأدنى مراتب المعبودية القدرة على ذلك. وفاعل «ندعو» وكذا ما عطف عليه من قوله سبحانه : (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) عام لسيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم ولغيره وليس مخصوصا بالصديق رضي الله تعالى عنه