تعالى ، واستدلاله على مدعاه على ما سمعت لا يخلو من متانة ، وقول الأصفهاني ـ كما في المستصفى ـ أفحش الشافعي حيث خالف سبع آيات من القرآن ثلاث منها في سورة الأنعام ، الأولى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، والثانية (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، والثالثة (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وثلاث في سورة الحج ، الأولى (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) [الحج : ٢٨] ، والثانية (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) [الحج : ٣٤] ، والثالثة (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) [الحج : ٣٦] وآية (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) [المائدة : ٤] من الفحش في حق هذا الإمام القرشي ، ومثاره عدم الوقوف على فضله وسعة علمه ودقة نظره ، وبالجملة ، الكلام في الآية واسع المجال وبها استدل كل من أصحاب هاتيك الأقوال. وعن عطاء وطاوس أنهما استدلا بظاهرها على أن متروك التسمية حيوانا كان أو غيره حرام ، وسبب النزول يؤيد خلاف ذلك كما علمت والاحتياط لا يخفى.
(وَإِنَّ الشَّياطِينَ) أي إبليس وجنوده (لَيُوحُونَ) أي يوسوسون (إِلى أَوْلِيائِهِمْ) الذين اتبعوهم من المشركين قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : المراد بالشياطين مردة المجوس فإيحاؤهم إلى أوليائهم ما أنهوا إلى قريش حسبما حكيناه عن عكرمة (لِيُجادِلُوكُمْ) أي بالوساوس الشيطانية أو بما نقل من أباطيل المجوس (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في استحلال الحرام (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ضرورة أن من ترك طاعة الله تعالى إلى طاعة غيره واستحل الحرام واتبعه في دينه فقد أشركه به تعالى بل آثره عليه سبحانه.
ونقل الإمام عن الكعبي أنه قال : الآية حجة على أن الإيمان اسم لجميع الطاعات وإن كان معناه في اللغة التصديق كما جعل تعالى الشرك اسما لكل ما كان مخالفة لله عزوجل وإن كان في اللغة مختصا بمن يعتقد أن لله تعالى شأنه شريكا بدليل أنه سبحانه سمى طاعة المؤمنين للمشركين في إباحة الميتة شركا ، ثم قال : ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من الشرك هاهنا اعتقاد أن لله تعالى شريكا في الحكم والتكليف؟ وبهذا القدر يرجع معنى هذا الشرك إلى الاعتقاد فقط انتهى. والظاهر أن التعبير عن هذه الإطاعة بالشرك من باب التغليظ ونظائره كثيرة والكلام هنا كما قال أبو حيان وغيره على تقدير القسم وحذف لام التوطئة أي ولئن أطعتموهم والله إنكم لمشركون وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسده. وجعل أبو البقاء وتبعه بعضهم المذكور جواب الشرط ولا قسم وادعى أن حذف الفاء منه حسن إذا كان الشرط بلفظ الماضي كما هنا واعترض بأن هذا لم يوجد في كتب العربية بل اتفق الكل على وجوب الفاء في الجملة الاسمية ولم يجوزوا تركها إلا في ضرورة الشعر وفيه أن المبرد أجاز ذلك في الاختيار كما ذكره المرادي في شرح التسهيل.
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) تمثيل مسوق لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين إثر تحذيرهم عنها بالإشارة إلى أنهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلهي والمشركون غارقون في ظلمات الكفر والطغيان فكيف يعقل طاعتهم له ، فالآية ـ كما قال الطيبي ـ متصلة بقوله سبحانه ، (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) والهمزة للإنكار. والواو ـ كما قال غير واحد ـ لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذي يدل عليه الكلام أي أنتم مثلهم ومن كان ميتا فأعطيناه الحياة (وَجَعَلْنا لَهُ) مع ذلك من الخارج (نُوراً) عظيما (يَمْشِي بِهِ) أي بسببه (فِي النَّاسِ) أي فيما بينهم آمنا من جهتهم ، والجملة إما استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل : فما ذا يصنع بذلك النور؟ فقيل : يمشي إلخ أو صفة له. ومن اسم موصول مبتدأ : وما بعده صلته والخبر متعلق الجار والمجرور في قوله تعالى : (كَمَنْ مَثَلُهُ) أي صفته