اختاره شيخ الإسلام ـ تفصيل للفرش قال : ولعل تقديمها في التفصيل مع تأخر أصلها في الإجمال لكون هذين النوعين عرضة للأكل الذي هو معظم ما يتعلق به الحل والحرمة وهو السر في الاقتصار على الأمر به في قوله تعالى: (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه في السائبة وأخواتها ومن الناس من علل التقديم بأشرفية الغنم ولهذا رعاها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو لا يناسب المقام كما لا يخفى (قُلْ) تبكيتا لهم وإظهارا لعجزهم عن الجواب (آلذَّكَرَيْنِ) ذكر الضار وذكر المعز (حَرَّمَ) الله تعالى (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) أي أنثى ذينك الصنفين ، ونصب (آلذَّكَرَيْنِ) و (الْأُنْثَيَيْنِ) بحرم (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أي أم الذي حملته إناث النوعين ذكرا كان أو أنثى. (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) أي أخبروني بأمر معلوم من جهته تعالى جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدل على أنه تعالى حرم شيئا ما ذكر أو نبئوني ببينة متلبسة بعلم صادرة عنه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعوى التحريم عليه سبحانه وتعالى ، والأمر تأكيد للتبكيت وإظهار الانقطاع (وَمِنَ الْإِبِلِ) زوجين (اثْنَيْنِ) الجمل والناقة ، وهذا عطف على قوله سبحانه : و (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) والإبل ـ كما قال الراغب ـ يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له من لفظه ويجمع ـ كما في القاموس ـ على آبال والتصغير أبيلة.
(وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) هما الثور وأنثاه (قُلْ) إفحاما لهم في أمر هذين النوعين أيضا (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) الله تعالى منهما (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) من ذينك النوعين ، والمعنى ـ كما قال كثير من أجلة العلماء ـ إنكار أن الله تعالى حرم عليهم شيئا من هذه الأنواع الأربعة وإظهار كذبهم في ذلك وتفصيل ما ذكر من الذكور والإناث وما في بطونها للمبالغة في الرد عليهم بإيراد الإنكار على كل مادة من مواد افترائهم فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة وأولادها كيفما كانت تارة أخرى مسندين ذلك كله لله سبحانه ، وإنما لم يل المنكر وهو التحريم الهمزة والجاري في الاستعمال أن ما نكر وليها لأن ما في النظم الكريم أبلغ.
وبيانه ـ على ما قال الكسائي ـ أن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة فإذا انتفى محله وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني كأنه وضع الكلام موضع من سلم أن ذلك قد كان ثم طالبه ببيان محل كي يتبين كذبه ويفتضح عند المحاقة ، وإنما لم يورد سبحانه الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة بأن يقال : قل الذكور حرم أم الإناث أما اشتملت عليه أرحام الإناث لما في التكرير من المبالغة أيضا في الإلزام والتبكيت.
ونقل الإمام عن المفسرين أنهم قالوا : إن المشركين من أهل الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام فاحتج الله سبحانه على إبطال ذلك بأن للضأن والمعز والإبل والبقر ذكرا وأنثى فإن كان قد حرم سبحانه منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها حراما ؛ وإن كان حرم جل شأنه الأنثى وجب أن يكون كل إناثها حراما. وإن كان حرم الله تعالى شأنه ما اشتملت عليه أرحام الإناث وجب تحريم الأولاد كلها لأن الأرحام تشتمل على الذكر والإناث.
وتعقبه بأنه بعيد جدا لأن لقائل أن يقول : هب أن هذه الأجناس الأربعة محصورة في الذكور والإناث إلا أنه لا يجب أن تكون علة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذكورة والأنوثة بل علة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو غير ذلك من الاعتبارات كما إذا قلنا : إنه تعالى حرم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل فإذا قيل : إن ذلك الحيوان إن كان قد حرم لكونه ذكرا وجب أن يحرم كل حيوان ذكر. وإن كان قد حرم لكونه أنثى وجب أن يحرم كل حيوان أنثى. ولما لم يكن هذا الكلام لازما عليه فكذا هو الوجه الذي ذكره المفسرون ، ثم ذكر في الآية وجهين من عنده وفيما ذكرنا غني عن نقلهما.