كأنه قيل : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل عليهم ما آتاه الله تعالى موسى عليهالسلام ، وقيل : عطف على (قُلْ) وفيه حذف أي قل تعالوا ثم قل آتينا موسى الكتاب.
وعن أبي مسلم ، واستحسنه المغربي ، أنه متصل بقوله تعالى في قصة إبراهيم عليهالسلام : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وذلك أنه سبحانه عد نعمته عليه بما جعل في ذريته من الأنبياء عليهمالسلام ثم عطف عليه بذكر ما أنعم عليه بما آتى موسى عليهالسلام من الكتاب والنبوة وهو أيضا من ذريته ، والكل كما ترى وإن اختلف مراتبه في الوهن. وثم ـ كما قال الفراء ـ للترتيب الأخباري كما في نحو بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت اليوم أعجب. وتعقبه ابن عصفور بأنه ليس بشيء لأن ثم تقتضي تأخر الثاني عن الأول بمهلة ولا مهلة في الإخبارين فلا بد من الرجوع إلى أنها انسلخ عنها معنى الترتيب أو أنه ترتيب رتبي كما يشير إليه قوله : أعجب في المثال وهو هنا ظاهر لأن إيتاء التوراة المشتملة على الأحكام والمنافع الجمة أعظم من هذه الوصية المشهورة على الألسنة ، وبعضهم وجه الترتيب الأخباري المستدعي لتأخر الثاني عن الأول بأن الألفاظ المنقضية تنزل منزلة البعيد. وقيل : إنه باعتبار توسط جملة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بين المتعاطفين.
وقال بعضهم : إن (ثُمَ) هنا بمعنى الواو ، وقد جاء ذلك كثيرا في الكتاب (تَماماً) للكرامة والنعمة وهو في موقع المفعول له ، وجاز حذف اللام لكونه في معنى إتماما ، وجوز أبو البقاء أن يكون مصدرا لقول (آتَيْنا) من معناه لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة كأنه قيل : أتممنا النعمة إتماما فهو كنباتا في قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] وأن يكون حالا من الكتاب أي تاما (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي من أحسن القيام به كائنا من كان فالذي للجنس. ويؤيده قراءة عبد الله «على الذين أحسنوا» وقراءة الحسن «على المحسنين». وعن الفراء أن الذي هنا مثلها في قوله :
إن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم خالد |
وكلام مجاهد محتمل للوجهين أو على الذي أحسن تبليغه وهو موسى عليهالسلام أو تماما على ما أحسنه موسى عليهالسلام أي أجاده من العلم والشرائع أي زيادة على عمله على وجه التتميم. وعن ابن زيد أن المراد تماما على إحسان الله تعالى على أنبيائه عليهمالسلام ، وظاهره أن (الَّذِي) موصول حرفي ، وقد قيل به في قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : ٦٩] وضمير أحسن حينئذ لله تعالى ، ومثله في ذلك ما نقل عن الجبائي من أن المراد على الذي أحسن الله تعالى به على موسى عليهالسلام من النبوة وغيرها ، وكلاهما خلاف الظاهر. وعن أبي مسلم أن المراد بالموصول إبراهيم عليهالسلام ، وهو مبني على ما زعمه من اتصال الآية بقصة إبراهيمعليهالسلام.
وقرأ يحيى بن يعمر «أحسن» بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف و (الَّذِي) وصف للدين أو للوجه يكون عليه الكتب أي تماما على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه أو آتينا موسى الكتاب تاما كاملا على الوجه الذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب ، والأحسنية بالنسبة إلى غير دين الإسلام وغير ما عليه القرآن.
(وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي بيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه في الدين ، ولا دلالة فيه على أنه لا اجتهاد في شريعة موسى عليهالسلام خلافا لمن زعم ذلك ، فقد ورد مثله في صفة القرآن كقوله تعالى في سورة [يوسف: ١١١] عليهالسلام : (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) ولو صح ما ذكر لم يكن في شريعتنا اجتهاد أيضا (وَهُدىً) أي دلالة إلى الحق (وَرَحْمَةً) بالمكلفين. والكلام في هذه المعطوفات كالكلام في المعطوف عليه من احتمال العلية